مسلمو جمهورية سيراليون .. عادات رمضانية بطابع يعكس روح التآخي وعمق أصالة شعبها    هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية تشارك ب "MWC25"    ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإنشاء احتياطي استراتيجي من عملة بتكوين المشفرة    48 قتيلا في سوريا باشتباكات غير مسبوقة بين قوات الأمن ومسلحين موالين للأسد    سبايس إكس: فقدنا الاتصال بالطبقة الثانية من صاروخ ستارشيب العملاق بعيد إطلاقه    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون ومصر    مساء ماطر على الرياض.. و"الأرصاد" تتوقع استمرارها حتى الغد    فيصل بن مشعل يتابع الحالة المطرية التي شهدتها القصيم    "بينالي الدرعية" تستعد للنسخة الثالثة بتعيين مديرَين فنيَّين    الوحدة يتغلّب على الرائد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الخلود يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الأمة الوسط    تصرف كريم بنزيمة مع جماهير الاتحاد بعد لقاء القادسية    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على الرياض    بلان يعترف بتراجع الاتحاد    انقسام أميركي حاد حول سياسات ترمب وأثرها على الحكومة    انطلاق منافسات بطولة الاتحاد السعودي للرياضة الجامعية للكرة الطائرة    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    تقارير.. عرض كبير من دوري روشن لضم ابراهيم دياز    مسؤول فلبيني يشيد بجهود المملكة في إرساء التعايش السلمي بين شعوب العالم    «الغذاء والدواء» : فوائد الكمّون لا تُغني عن الاستشارة الطبية    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس جمهورية زامبيا    زيلينسكي: سأزور السعودية الاثنين المقبل للقاء ولي العهد    مسجد الرحمة بجدة.. أول مسجد في العالم يُبنى على سطح البحر    النعاس أثناء القيادة.. مشكلة شائعة ومضاعفاتها خطيرة    الإبل.. سيدة الصحراء ونموذج للصبر    محافظ أبو عريش يدشن مبادرة "صم بصحة" لتعزيز الوعي الصحي في رمضان    تعليم جازان يطلق جائزة الأداء التعليمي والإداري المتميز "متوهجون" في دورتها الثانية    هطول أمطار في 8 مناطق والقصيم الأعلى كمية    هجوم إسرائيلي على فيلم وثائقي فاز بجائزة الأوسكار صنعه فلسطينيون و اسرائيليين    انطلاق مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في نسخته الثانية تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين    وزارة التعليم و"موهبة".. تعلنان عن اكتشاف 29 ألف موهوب في المملكة    سمو أمير منطقة تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى احمد الحجيلي    السياحة ترصد 6 آلاف مخالفة في مراكز الضيافة بمكة والمدينة    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    ابنها الحقيقي ظهر بمسلسل رمضاني.. فنانة تفاجئ جمهورها    تفاصيل مهرجان أفلام السعودية ب"غبقة الإعلاميين"    9500 معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال بينهم 350 طفلًا    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    محافظ الطائف يشارك فرع وزارة الصحة حفل الإفطار الرمضاني    نائب أمير منطقة مكة يشارك الجهات و رجال الامن طعام الإفطار ‏في المسجد الحرام    أفراح البراهيم والعايش بزفاف محمد    حرم فؤاد الطويل في ذمة الله    17.6 مليار ريال إنفاق أسبوع.. والأطعمة تتصدر    موجز    طبيبة تستخرج هاتفًا من معدة سجين    مشروع "ورث مصحفًا" يستهدف ضيوف الرحمن بمكة بثمان وعشرين لغة    14 تقنية مبتكرة في البيئات الصناعية بالسعودية    أمير حائل يشهد حفل تكريم الفائزين بمسابقة جزاع بن محمد الرضيمان    الصين تصعّد سباق التسلح لمواجهة التفوق الأمريكي في آسيا    لغة الفن السعودي تجسد روحانية رمضان    ترمب وكارتلات المخدرات المكسيكية في معركة طويلة الأمد    40 جولة لتعطير وتطييب المسجد النبوي    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن الإفطار في الميدان    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    أمير جازان يستقبل منسوبي الأمارة المهنئين بشهر رمضان    التسامح.. سمة سعودية !    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرها الشاعر زياد بن منقذ في القرن الأول الهجري
مُكَشَّحَة قديماً هي روضة حطّابة في سُدير
نشر في الجزيرة يوم 26 - 08 - 2012


إعداد - عبدالله بن بسَّام البسيمي - الوشم - أشيقر:
مُكَشَّحَة، موضع قديم يقع في وسط منطقة نجد، ذكره الشاعر زياد بن منقذ (ت 100ه تقريباً)، في قوله: يا ليت شعري عن جنبي مُكَشَّحَة..، وهذا يعد من أقدم الشعر؛ الذي ذكرت فيه، وقد اختلف الباحثون في تحديد موقعها، وإن اتفقوا على أنها في منطقة سدير، وبالتحديد قرب وادي أشي، الذي لا يزال معروفاً، وجاء العثور على نص المؤرخ ابن عيسى الآتي؛ الذي نقله عن الشيخ ابن أحمد، ليحدد لنا مكان هذا الموضع، ويفصل الخلاف فيه.
ترجمة زياد بن منقذ العدوي (1):
لما كان هو الوحيد الذي ذكر مُكَشَّحَة، في شعره، فيما تم الوقوف عليه حتى الآن، فلابدّ من إيراد ترجمته باختصار. هو زياد بن منقذ بن عمرو بن الصُّدَي، من الأحمال من بلعدويّة، حنظلي تميمي، قيل أن لقبه المرّار، وقيل أن المرّار أخوه؛ وهو الصحيح، وبسبب هذا الخلاف حصل خلط في ترجمتيهما، وزياد من سكان وادي أشي، شاعر إسلامي، عاش في العصر الأموي، وعاصر الفرزدق وجريراً، ووفاته نحو سنة 100ه، وهو صاحب القصيدة الرائعة؛ التي يتوجد فيها على موطنه أشي، وهو في صنعاء، ويفضله عليها، ويفهم من قصيدته أنه أطال الإقامة في صنعاء، ولم يتضح سبب ذلك، والقصيدة تقع في أربعة وأربعين بيتاً، منها قوله:
لا حَبَّذا أَنتِ يا صَنعاءُ من بلَدٍ
ولا شَعُوبُ هَوى مِنِّي ولا نُقُمُ
وحبّذا حين تمسي الريح باردةً
وادي أشيّ وفتيان به هضمُ
روضة مُكَشَّحَة:
أذكر هنا ما ورد عنها من نصوص، حسب تسلسلها الزمني، مع توضيح لبعضها:
قال زياد بن منقذ (2):
يا ليت شعري عن جنبي مُكَشَّحَةٍ
وحيثُ يُبنى من الحنّاءة الأطمُ
عن الأشاءة هل زالت مخارمها
وهل تغير من آرامها إرمُ؟
ويروى البيت الأول (3):
بل ليت شعري عن جنبي مُكَسَّحَةٍ
وحيث يبنى من الحنّاءة الأطمُ
الحِنَّاءة: أرض، هكذا قال المرزوقي؛ وقيل رمل، وقال ياقوت: الجصّ، ولا خلاف في ذلك فقد تكون أرضاً يستخرج منها الجص. والأطم: الحصن. ويظهر أن لهذا علاقة بمُكَشَّحَةٍ، فالحصون تبنى بالحجارة والجصّ والطين. والأشاءة: مكان روضة(4). فإن كان لها تعلق بوادي أشي وبمُكَشَّحَةٍ، فلا شك أن الأشاءة ستكون في مكان التقاء وادي المشقر؛ المنحدر أحد فرعيه من أشي، بوادي الكلبي؛ المنحدر له فرعان من روضة مُكَشَّحَة (حطابة)، أو بعد التقائهما. ومن معاني المخارم في اللغة: الطرق في الغلظ. والآرام: الأعلام. وسيراً على ترتيب القصيدة فإن ذكر الأشاءة أتى بعد مُكَشَّحَة.
وقال محمد بن إدريس الحفصي، الذي عاش في القرن الثالث الهجري، عن مُكَشَّحَة: (هو نخل في جزع الوادي قريباً من أشي) (5).
أفاد هذا النص بوجود نخل في مُكَشَّحَة؛ وكأن الحفصي يفسر أبيات ابن منقذ عنها، فالأشاءة في شعره تعني النخل عند البعض. وجزع الوادي تطلق على أول الوادي ووسطه ومنتهاه، ومنحناه، وجانبه، وليس المقصود بالوادي وادي أشي، بل وادي الكلبي كما سيتضح لاحقاً، والقول بقربها من أشي، لأن أشي مسكن الشاعر ابن منقذ الذي ذكرها في شعره، فكأن الحفصي يقيس قرب مُكَشَّحَة من مكان استقرار الشاعر. وأشي أقرب علم بارز لها في ذلك الحين، والشاعر يعدد في قصيدته أماكن قومه القريبين منه نسباً، فذكر بلدته أشي، والأميلح (مليح)، ولا يستغرب ذكره لمُكَشَّحَة وهي تقع في منتصف المسافة بينهما تقريباً.
وقال نصر الإسكندري (ت 561ه تقريباً): (مكسحة: بعد الميم كاف: بنواحي اليمامة)(6).
ومُكَشَّحَة: بضم أوله، وفتح ثانيه، وشين معجمة مشدّدة مفتوحة، وحاء مهملة، هكذا ضبطها ياقوت الحموي (ت 626ه)، وقال عنها: (موضع باليمامة)(7)، ثم أورد بيتي ابن منقذ، ونص الحفصي المتقدم. ولا يعرف سبب تسمية مُكَشَّحَة بذلك؛ فمن رجع لمعاجم اللغة، مادة كشح، سيجد لها عدة معاني، قد ينطبق عليها أحدها أو بعضها.
أما الحسن بن محمد الصغاني (ت 650ه)، فقال، بعد أن أورد بيتي زياد عن مُكَشَّحَة: (فهي موضع. وبعضهم يرويها بالسين المهملة، وقرأت بخط السّكّري في شعر زياد مكسِّحة، بكسر السين المهملة)(8)، والسّكّري هو: أبو سعيد الحسن بن الحسين (ت 275ه)، ممن جمع أشعار بعض القبائل.
وقال الفيروزآبادي (ت 817ه)، في (القاموس المحيط)، مادة كسح: (ومكسّحة، كمعظمة: بالسين والشين، ويفتحان ويكسران: موضع)، وأشار لها أيضاً في مادة كشح.
قال الشّارح؛ محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205ه)، بعد أن أورد نص ما في متن القاموس: (مُكَسَّحَة: .. موضع باليمامة)(9)، ثم أورد كلام ياقوت بتمامه، وقال أيضاً في مادة كشح: (ومُكَشَّحَة، بضم فتشديد الشين: اسم موضع باليمامة، وقد مرّ في (ك س ح)، والصواب ذكره هنا، كما صرح به ياقوت في المعجم)(10).
وقد يكون وضع حرف السين مكان الشين في مُكَشَّحَة؛ أو العكس، داخل في باب الإبدال والقلب، وهما موجودان في لهجة قبيلة تميم قديماً(11).
ولو ذهبنا نستقصي المصادر التي ذكرت مُكَشَّحَة، خاصة كتب اللغة والأدب، بناءً على ذكرها لبيت الشعر في قصيدة ابن منقذ؛ لطال البحث، مع أنه قد يوجد في بعضها زيادة فائدة، وإن كان تطرق أغلبها منصب على المعنى اللغوي. وجل مؤلفي الشروح على ديوان (الحماسة)، لأبي تمام حبيب بن أوس (ت 231ه)، ومتعقبوه، تطرقوا لذكرها، ومنهم على سبيل المثال؛ أبو الفتح عثمان بن جني (ت 392ه)، في كتابه (التنبيه على شرح مشكلات الحماسة). وأحمد بن محمد المرزوقي (ت 421ه)، الذي قال: (قوله (يا ليت شعري)، يا حرف النداء، والمنادى محذوف. وهذا الكلام تحسُّر في إثر ما فاته من أمر الأرضين المذكورة... وقوله (عن جنبي مُكَشَّحَةٍ) بيان ما تمنى علمه، وفي أيّ جانب هو. ويروى: (عن جزعيْ مُكَشَّحَةٍ وحَوْثُ). والجزع: جانب الوادي. ومُكَشَّحَة: أرض.. والحِنَّاءة: أرض. والأطم: الحصن وكل بناء مرتفع، والجمع آطام. وقوله (عن الأشاءة)، فإن كان الأشاءة موضعاً وبعض ما يقع عليه مُكَشَّحَة فإنه بدلٌ من عن جنبي مُكَشَّحَة، وقد أعيد حرف الجرّ معه. وإن كان النخلة فإنه يجوز أن يريد بقعتها، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ولا يمتنع أن يكون أراد: وعن الأشاءة، فحذف العاطف،.. فيقول: ليت علمي كان واقعاً بأحوال هذه المواضع، وهل هي باقيةٌ على ما عهدتها من قبل، أو هل تغيّرت أعلامها وزالت مخارمها. وإنما يدلّ على حنينه إليها، وتأسّفه على البعد عنها)(12)، وممن ذكرها أيضاً الخطيب التبريزي (ت 502ه)، في كتابه (شرح ديوان الحماسة).
نص نفيس عن مُكَشَّحَة:
قال الشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى (ت 1343ه): (ذكر لي عثمان بن أحمد، أن مُكَشَّحَة هي المسماة الآن حطابة، وهو المستفيض عند أهل المجمعة)(13).
ولعل مناسبة ذكر هذا الموضع بين الشيخين، أن المؤرخ ابن عيسى وقف على قصيدة ابن منقذ وفيها ذكر مُكَشَّحَة، فجرت المباحثة عن مكانها.
والشيخ عثمان المذكور، هو عثمان بن أحمد بن عبدالله بن سليم، والدته تركية بنت الشيخ عثمان بن عبدالجبار. والشيخ ابن أحمد من كتاب الوثائق العدول الثقات في بلد المجمعة، صار إماماً لمسجد باب البَرّ فيها، وكان جمّاعة للكتب، وقد وقفها على طالب العلم من ذريته ومن المسلمين، وقد سلم ورثته مشكورين مخطوطاته أو بعضها لمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض؛ وهي تحتوي على نفائس ونوادر، له وصية مؤرخة سنة 1315ه، ألحق بها إلحاقين آخرهما في 12-10-1319ه، وقف فيها أوقافاً متعددة خاصة وعامة، له عدد من الأولاد، منهم عبدالعزيز أحد كتاب الوثائق المعتبرين في المجمعة، وقد سجل المؤرخ ابن عيسى فوائد من الشيخ ابن أحمد؛ واطلع على مخطوطاته أو بعضها، ودون تاريخ وفاته، في يوم الجمعة 12111319ه(14)، رحمهما الله تعالى.
ولا يستغرب بقاء هذه الاستفاضة عن مُكَشَّحَة إلى وقت الشيخ ابن أحمد، وإن طغى عليها اسم حطابة في حياته، فقد بقيت أسماء لأماكن أخرى قديمة قريبة منها، مثل أشي، وحرمة (الحريم)، والخيس، ومليح (الأميلح)، وغيرها، مما يدل على أن المنطقة بقيت مأهولة، وإنما العجب من نسيان الجيل الذي أتى بعد ابن أحمد؛ لهذه الاستفاضة التي أخبر بها؛ مع قرب زمنه.
وجنبي مُكَشَّحَة قد يكون المقصود بأحدهما جبل حطابة، الذي يحد روضة مُكَشَّحَة من جهتي الغرب والشمال الغربي، والجنب الآخر الهضبة التي تحد هذه الروضة من جهة الشرق؛ وهي قليلة الارتفاع، ويطلق عليها البعض اسم الدُخَيْشِمَّة.
تبعد روضة حطابة (مُكَشَّحَة) عن مركز بلدة أشي 25 كيلاً تقريباً؛ جهة الشمال الغربي، وطولها يجاوز ثلاثة أكيال، وعرضها كيل واحد تقريباً؛ يقل في بعض جهاتها عن ذلك، وهي مقسمة إلى قسمين، يفصل بينهما مضيق كان به ثغب يُسمَّى ثغب الحفنة، بدأت معالمه تندرس من أثر السيول، فما يقع جنوباً عن هذا المضيق يطلق عليه الروض الأعلى؛ وهو من أفضل منابتها، وما عنه شمالاً بميل إلى الشرق يطلق عليه الروض الأسفل، وقد أحيط الأسفل حديثاً بأعمدة. أما المتسع الذي شمالي الخط السريع المقابل لروضة حطابة؛ ومجرى أوديتها، فلا يعد منها، وبالتالي لا يشمله اسمها، وارتفاع روضة حطابة (مُكَشَّحَة) عن سطح البحر 750م، وإحداثياتها قرب منتصفها:


**
تعد من متنزهات منطقة سدير، وتبعد عن مدينة المجمعة مسافة 17 كيلاً، جهة الغرب بميل قليل إلى الشمال، على يسار الطريق السريع المتجه لبلدة الغاط فالقصيم، ويصب فيها واديان هما: وادي أبو ذُريَّة الذي يأتيها من جهة الجنوب، والثاني وادي الزُّنْقُب الذي يأتي الروضة من جهة الغرب؛ وسيله يلتقي بسيل وادي أبو ذُريَّة في وسطها، بعد ثغب الحفنة مباشرة، أي مع بداية الروض الأسفل، وهذان الواديان يعقبانها وينتهي سيلهما في وادي الكلبي، ويعدان من روافده الثلاثة الرئيسة، ينضاف لهما وادي القرِي بعد ذلك، ويلتقي سيل وادي الكلبي مع سيل وادي المشقر بين المجمعة وحرمة.
وروضة حطابة (مُكَشَّحَة) من أهم مباعل أهالي المجمعة، وبعض القرى القريبة منها وهي: حرمة والرّويضة والخيس والعمار، إن لم تكن أهم مباعلهم على الإطلاق، يكثر فيها اليوم شجر الحرمل، وقد أحيط بعضها بأعمدة من حديد، من قبل هيئة السياحة والآثار، لتبقى مصانة عن العبث والتعديات؛ وإذ تشكر الهيئة على هذا الاهتمام بالمتنزهات؛ لأقترح عليها إحاطة ما تبقّى من روضة حطَّابة، وهو الروض الأعلى، بأعمدة لحمايته أيضاً.
وبعدما سبق فلا غرابة أن تكون روضة حطابة هي (مُكَشَّحَة)، وهي حمىً للبلدان المجاورة، تستغل في الزراعة البعلية في مواسم الأمطار، وتجلب منها الحشائش والأعشاب، كما تستغل في رعي الماشية، والفيصل في تحديدها هو النص المتقدم.
جبل حطاّبة:
(حَطَّابَة): بفتح الحاء، وتشديد الطاء، فباء مفتوحة، فهاء في آخره، اسم يطلق في الأصل على الجبل، الذي عند روضة مُكَشَّحَة. ولا تعارض في كون أسم حطابة قديماً، مع كون اسم مُكَشَّحَة قديماً أيضاً، فاسم حطابة قد يكون أطلق قديماً على الجبل فقط، بينما الروضة التي في سفحه اسمها مُكَشَّحَة، فاختفى اسم الروضة مع مرور الزمن، وبقي اسم الجبل؛ ليكون اسماً للروضة أيضاً.
وقد ذهب إلى كون اسم حطابة قديماً بعض البلدانيين المتأخرين، مستشهدين بما نقله ياقوت، في قوله: (الحواطب: جمع حاطبة: جبال باليمامة؛ عن الحفصي)(15).
علق الشيخ محمد بن عبدالله بن بليهد (ت 1377ه)، على ذلك بقوله: (الحواطب: ما أعرف في اليمامة هضبات بهذا الاسم، بل أعرف هضبة يقال لها: حطابة، وهي في شمال اليمامة قريب بلد المجمعة،.. ولا أشك أنها وما حولها من الهضاب، يقال لها: الحواطب، وحصر المتأخرون هذا الاسم في هذه الهضبة فقالوا: حطابة)(16).
وقال الشيخ الأديب عبدالله بن خميس (ت 1432ه)، عن حطابة: (جبل فارد ضخم طويل شمال غرب بلد المجمعة، قاعدة سدير)(17)، ثم استشهد بقول ابن عقيل، أحد شعراء المجمعة العاميين:
لو إن ما بي يصيب خشوم حطابة
كان أصبح الضلع مثل القاع متساوي
ويرى الأستاذ الباحث عبدالله الشايع أن جبل حطابة هو جبل السِّبْراة، وأن سلع الماء الذي فيه هو سُبَيْر، المذكور في بعض الأشعار القديمة(18).
يبعد جبل حطابة عن مركز بلدة أشي 26 كيلاً تقريباً، وعن المجمعة 18 كيلاً، وهو جبل ممتد من الجنوب إلى الشمال، تحيط به روضة حطابة (مُكَشَّحَة) من جهتي الشرق والجنوب الشرقي. والخط السريع يقطع امتداد الجبل إلى نصفين، شمالي وجنوبي، الشمالي يعرف باسم جبل لدَدْ؛ وهو لا يعدّ من حطابة، والجنوبي باق باسم حطابة؛ وتوجد قارة قريبة منه جهة الجنوب تعرف باسم الفريدة. ويوجد في داخل جبل حطابة قريباً من الروضة سلع ماء يعرف باسم الرِّس، عبارة عن شق في الصخر شبيه بالبئر. هذا ما أحببت إيراده في معرفة الاسم القديم لهذا الموضع، بعد الوقوف على هذا النص النفيس، شاكراً الإخوة الذين زودوني ببعض المعلومات عنها. ويبقى الباب مفتوحاً لمن يريد المواصلة في البحث وإثراء الموضوع، وفق الله الجميع لكل خير، والحمد لله رب العالمين.
****
الهوامش:
(1) ترجمته في: (الشعر والشعراء)، لابن قتيبة، تحقيق أحمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، 1423ه، ج2، ص686؛ و(معجم الشعراء)، لمحمد بن عمران المرزباني، تحقيق د. ف كرنكو، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411ه، ص304؛ و(شرح المفضليات)، للقاسم بن محمد الأنباري، مصورة الطبعة الأوربية، ص122؛ و(خزانة الأدب)، لعبدالقادر بن عمر البغدادي، تحقيق عبدالسلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1404ه، ج5، ص253؛ و(الأعلام)، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط8، 1989م، ج3، ص55.
(2) (شرح ديوان الحماسة)، لأحمد بن محمد المرزوقي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411ه، ج2، ص1400.
(3) (الحماسة)، لأبي تمام، حبيب بن أوس، تحقيق عبدالله عسيلان، جامعة الإمام، الرياض، ط1، 1401ه، ج2، ص138.
(4) انظر: (معجم البلدان)، لياقوت الحمويّ، دار صادر، بيروت، 1376ه، ج1، ص194؛ وج3، ص85.
(5) (معجم البلدان)، للحمويّ، ج5، ص181.
(6) (الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار والأشعار)، لنصر بن عبدالرحمن الإسكندري، تحقيق حمد الجاسر، مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط1، 1425ه، ج2، ص480.
(7) (معجم البلدان)، للحمويّ، ج5، ص181.
(8) (التكملة والذيل والصلة)، للحسن بن محمد الصغاني، تحقيق إبراهيم الإبياري، دار الكتب، القاهرة، 1971م، ج2، ص94.
(9) (تاج العروس من جواهر القاموس)، لمحمد مرتضى الزبيدي، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، ط2، 1415ه، ج7، ص74.
(10) (تاج العروس)، للزبيدي، ج7، ص78.
(11) انظر: (لغة تميم دراسة تاريخية وصفية)، د. ضاحي عبدالباقي، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1405ه، ص67؛ وانظر أيضاً: (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار)، لمحمد بن عبدالله بن بليهد، ط3، 1399ه، ج3، ص50.
(12) (شرح ديوان الحماسة)، للمرزوقي، ج2، ص1400.
(13) فائدة بخط المؤرخ الشيخ إبراهيم بن عيسى، ضمن مجموع.
(14) انظر: (مجموع ابن عيسى)، لإبراهيم بن صالح ابن عيسى، مخطوط، ق13.
(15) (معجم البلدان)، للحمويّ، ج2، ص316.
(16) (صحيح الأخبار)، لابن بليهد، ج5، ص152.
(17) (معجم اليمامة)، لعبدالله بن محمد بن خميس، ط1، 1398ه، ج1، ص331.
(18) (ماء سبير والسبراة في الكرمة)، لعبدالله بن محمد الشايع، مجلة المسبار، ع1، ربيع الثاني، 1433ه، ص117.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.