((مسرى الغرانيق في مدن العقيق)) أميمة تخرج بعيدًا عن الرياض وأن كان بطلها والراوي نجدي، يخرج من قلب هضبة نجد. الرواي رجل وليس الرواية الأنثى أو راوية مختفية كعادة أميمة وليس غريبا على العربية أن يتناوب الجنسان أحيانا الكتابة بجنس الآخر.. ما زلنا نذكر رواية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد) التي من قوتها، نسبها البعض للشاعر العراقي سعدي يوسف الرواية ذاتها فازت أيضا بجائزة نجيب محفوظ لعام 1997. مسرى الغرانيق هي جمع من أدب وفلسفة ومنطق، وبذا خرجت أميمة ب(مزيد) لمكانات أكبر وأرحب في البحث عن الحقيقة، كما هو جميل ومحفز بالوقت ذاته هي أمكنة مشوكة حتى يستطيع الإنسان الوصول لجميل وردها. مزيد النجدي الحنفي، أقف عند الاسم برهة (أنه يريد زيادة) ولكن بماذا؟ بالعلم أم بالحقائق العقلانية، الوصايا السبع التي قرأها ونساها. في عصر ازدحمت فيه الكثير مما يثار، حيث بدأت فلسفة التقوى، والارتكاز للمنطق في الفكر الديني وتحريره من الجمود، تلك التي أخذنا لمحات عنها في دراساتنا الثانوية خاصة لمن درس خارج الوطن. لله درها أميمة الخميس وهي تضع التجربة الجديدة والقوية، في (مسرى الغرانيق في مدن العقيق) وعليها أن تعرف المسرى للمدن وتسبر أغوار مدن في زمن ليس زمانها ومكان ليس مكانها، أي مساحات من الورق وكم فتحت من مواقع. ليس عبثا أن تسير من عام 402 إلى 405 هجرية، ثلاثة أعوام حقا ليس تكفي للمرور على المدن في ظل ضعف المواصلات وتباعد المدن.. من نجد أطلق صاحبنا النجدي (مزيد) إصرار من أميمة وضعت له الحنفي. وهو أكبر مذاهب المسلمين على الأقل في ذلك الوقت. هكذا يمضي مزيدها ليزداد علمًا وفلسفة ومنطقًا، تتمازج الأفكار والمعلومات في عقله، كلما ارتحل من مدينة لأخرى كان الاندهاش والتعمق، وأفكار أميمة تتمازج مع المعارف والأفكار تظهر أحيانا متوارية أحيانًا أخرى. المدن هي البطلة مع مزيد النجدي.. وغير ذلك جاء كتكملة للوحة.. المعرفة والعلم هي الطريق الواسع للإيمان.. خلال ثلاثة أعوام هو الزمن الذي جال به مزيد ليسبر أغوار الفترة تلك.. وصل لبغداد في قمة تواجد مدارس الصوفية والمعتزلة. فجلس غرنوق أميمة لمجالسها وقبل أن أمضي أقف عند معنى الغرنوق، وكانت أمهاتنا يصفن الجميلات بهذا الاسم مع غصن البان. والغنروق حسب المعاجم هو: طائر بحري جميل المنظر، وله معنى آخر هو بنات شجري معمر. وربما أميمة قصدت معنى آخر هو الشاب الأبيض الجميل (رغم أننا في نجد اللون الأبيض صفة نادرة فينا). ولعلها أردته يافعًا. يجول بين المدن حاملا زوادة من فكر.. مدن العقيق هي بغداد والقدس القاهرةالقيروان (تونس) ثم الأندلس أخذتها أميمة بتسلسل موقعها الجغرافية مع موقعها التاريخي وما نشأ بها من أفكار ومعارف. قبل ذاك أتتنا (اليف شيفاق) بروايتها (قواعد العشق الأربعين) ما بين بغداد واسطنبول حيث جلال الدين الرومي. وحيث أيضا البحث في الدين والصلة الآلهية، لكنها رواية في حكايتين بين الحاضر وبين القرن الثالث عشر.. ومن ثم كاتبنا المميز محمد حسن علوان في روايته موت صغير، ينقلنا ل((محي الدين بن عربي)) أشهر المتصوفين الذي قال (الحب موت صغير) الفائزة العام الماضي بجائزة البوكر. وقبل أن أنهي مقالي هذا أشكر كل من أميمة الخميس ومحمد علوان لأنهما جعلاني أعود للقراءة عن الصوفية والمعتزلة وأعود أكثر لأفتح الكتب القديمة وألقى أيضا تحية لروح بن خلدون معهما.. ولكم صادق المنى.