يصعب على أعتى محلل سياسي فهم قرار الرئيس الأمريكي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، ويبدو ذلك من خلال الاجتهادات، التي أطلقها المهتمون بالشأن السياسي لأمريكا، وفاقم الأمر استقالة الجنرال، جيمس ماتيس، وزير الدفاع، الذي ذكر ترمب أنه سيغادر موقعه في نهاية شهر فبراير 2019، ثم بعد يومين، أعلن ترمب أن نائب وزير الدفاع سيتولى الوزارة بالوكالة، اعتبارًا من 1 يناير القادم، ما يعني أن الخلاف بين الرئيس والجنرال عميق، لدرجة أنه يصعب التفاهم بينهما لأكثر من أيام، ولا شك أن وجود ماتيس في إدارة ترمب يضفي ثقلا هائلا على الإدارة، نظرًا لسمعته وخبرته، وتاريخه العسكري المميز، وغني عن القول إن هناك اتفاقًا بين المعلقين على أن الجنرال ماتيس ووزير الخارجية، مايك بومبيو، هما جناحا التوازن في إدارة ترمب، خلال الفترة الماضية، وهي الفترة، التي لاقى خلالها ترمب كل أشكال الهجوم الممنهج ضده. الرئيس ترمب وعد ناخبيه بأنه سيعمل على الحد من المخاطر التي تواجه الجيش الأمريكي، وأهم هذه المخاطر هي تواجد قوات أمريكية خارج أمريكا، نظرًا للتكلفة المادية لذلك من جهة، وخسارة الأرواح من جهة أخرى، ومن خلال قراءة قرار ترمب وحيثياته، يبدو لي الأمر كما لو أن رئيس تركيا أقنع ترمب بأنه سيتولى ملاحقة داعش، وتذكر التقارير والتسريبات أن ترمب قال لأردوغان: «سوريا كلها لك الآن، فلا حاجة لنا بها!»، ومن الواضح أن ترمب لا يدرك أن مقاتلي داعش دخلوا إلى سوريا والعراق عن طريق تركيا، حسب كل التقارير الموثقة، كما أنه ربما نسي أن معظم ميزانية داعش كانت من بيع النفط المهرب في تركيا، أمام نظر وسمع الحكومة التركية، ومن ضمن من وردت أسماؤهم في ممارسة هذا النشاط ابن الرئيس، بلال أردوغان، وليست هذه كل الحكاية، فهناك ما هو أهم وأخطر. يجمع معظم المراقبين على أن تركيا لن تلاحق داعش، بل ستلاحق الأكراد، الذين تصنفهم على أنهم إرهابيين، وقد توعد مسؤولون أتراك بأنهم سيدفنون المقاتلين الأكراد أحياء، وذلك في وصلة هجاء ضد المملكة والإمارات وأمريكا، ومن قرأ تعليقات المغردين الأمريكيين على تغريدة ترمب، التي أعلن فيها عن سحب القوات الأمريكية، يدرك إلى أي مدى يتخوف الأمريكيون من مجازر متوقعة بحق الأكراد، والمؤلم في الأمر هو أن جهود الأكراد في ملاحقة مقاتلي داعش والقضاء عليهم كانت كبيرة، باعتراف أمريكا نفسها، فقد كانوا هم السند الأقوى للقوات الأمريكية في سوريا، ما يعني أن ترمب كافأ الأكراد بالتخلي عنهم، وجعلهم لقمة سائغة للقوات التركية، وهذا هو ما أغضب الجنرال ماتيس، وسارع برحيله، إذ هو من أشد المؤمنين بأهمية الحلفاء وضرورة حمايتهم، والخلاصة، هي أن ترمب تخلى عن حلفائه الأكراد في سوريا، وهذه رسالة سلبية لكل حلفاء أمريكا، كما خسر أهم رجالاته وأكفأهم، أي الجنرال ماتيس، وما علينا إلا الانتظار والترقب، فالمؤسسات الأمنية الأمريكية تقف ضد قرار ترمب المتسرع!