بين عمق تربوي وأفق أبوي.. ورث الإمامة واستورث الخطابة.. فكان خازن الأمانة وسادن الوصية.. علمه «القرآن» سمو «البيان» وفصاحة اللسان فكان صوت «جيله» وصدى «رعيله» حمل «تركة» الطمأنينة ورفع لواء «السكينة» في تلاوة وترتيل فاستقام وسط المقام إنه إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور أسامة عبدالله خياط أحد أبرز أئمة الحرم المكي وأمهر قراء كتاب الله في العالم الإسلامي. بوجه وقور تسكنه سمات «الرحمة» وتؤطره صفات «الروحانية» وعينان تشعان أدبًا تغطيها نظارتان لا تفارقه وطلة مهذبة تكملها «لحية مشذبة» تستند على ملامح مكاوية أصيلة تقتبس من والده وتتقاطع مع أخواله وكاريزما تنبع بالتواضع والورع.. ومحيا يرفل بالتدين ويحتفل بالتقى يرتكز على قامة متوسطة وصوت جهوري يذيع بتلاوة القول الرباني وحلاوة الذكر الإلهي بنغمة مسددة تنطق بالنور وتلهج بالحق المستنير الذي تتكامل كلماته وكأنها «مشهد بصري» وتكتمل حروفه وكأنها «صرح مرئي» قضى خياط من عمره عقودًا وهو يؤم المصلين ويخطب في الجموع في مشاهد إيمانية وسط أطهر بقاع الأرض ببيت الله العتيق بمكة المكرمة. في حارة الباب الصغيرة المكتظة بمنازل الطيبين الممتلئة بروائح البخور الشعبي كان نبأ ولادته حدثًا في ذاكرة «الطيبين» الذين زفوا البشرى لوالده العلامة والعلم الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- الذي أسرع ليقرأ في أذانه الآذان والإقامة مطلقا الدعوات والابتهالات فكانت «خلطة سرية مثلى» لتركيبة تربوية مثالية صقلت شخصيته ووظفت مواهبه. ركض أسامة خياط مع أقرانه بين أجياد والمسفلة وشعب عامر منجذبًا إلى آيات القرآن التي كان والده يتلوها آناء الليل وأطراف النهار موشحًا بتهذيب أسري محفوف بالحسنى. وظل ماضيًّا يراقب قصص الجيرة في محافل الولائم المكية وتفاصيل السداد في إعانة القريب وإغاثة البعيد فنشأ بين تكاملات دينية واستكمالات إنسانية جعلته مسكونًا بالفضائل منطلقًا وعائدًا من وإلى «محور» نصح أبوة وحنان أمومة كتبًا له «وصفة السمو الديني» ورسمًا له «صفة الرقي البشري» تعتقت روحه بروائح العود في أستار «الكعبة المشرفة» التي كان يطبع قبلاته على حجرها الأسود ويسكب عبراته في محيط صحنها «الطاهر» مشفوعا باللحن القرآني الذي كان ينفذه كبروفات ليلية في حضرة «شيوخ الحرم» معجبًا بالمقامات الحجازية في تلاوات «زكي داغستاني» و»محمد أيوب» متعجبًا من استقامات ألحان «علي عبدالله جابر» متأثرًا بسكنات التجويد في قراءات «والده عبدالله خياط» وتراتيب الجودة في ألحان «عبدالرحمن السديس» و»سعود الشريم» فكان التلميذ النجيب والإمام المهيب الذي أطلق «لحنا مشكلا» من توليفة «الحناجر» فكان له حسه «الخاص» وإحساسة «الأخص» في ترتيل تحت توقيع صوته ووقع صداه سيرة تعليمية مضيئة صاغها خياط باقتدار حيث نال خياط درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة أم القرى بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1397ه. ثم نال شهادة الماجستير عام 1402ه ثم الدكتوراه عام 1408ه. شق خياط طريقة العملي بعصامية «الكبار» ومثالية «الاعتبار» حيث عين معيداً في قسم الشريعة بجامعة أم القرى عام 1399ه. ثم محاضراً في الكلية نفسها عام 1403ه. ثم أستاذاً مساعداً بكلية الدعوة وأصول الدين عام 1409ه. ورئيساً لقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة لثلاث فترات متتالية. عين مدرساً في المسجد الحرام بموجب أمر ملكي، واختير عضواً في مجلس الشورى في دورته الأولى عام 1414ه وعين إماماً وخطيباً لأحد المساجد بمكة المكرمة ثم صدر أمر ملكي بتعيينه إماماً وخطيباً للمسجد الحرام عام 1418ه. وتم تعيينه عضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي وعمل أميناً عاماً مساعداً لهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لعامين. وحصل على عدد من الإجازات العلمية وتتلمذ على أيدي عشرات الشيوخ وله عشرات البحوث والكتب والمقالات والمشاركات الإعلامية المختلفة. اعتاد المصلون في بيت الله الحرام على إيحاءات الضياء في تلاواته واللحن السماوي الأصيل في سكناته ونبراته وعبراته وهو يجسد المشهد العظيم في ملحمة إيمانية ظل خياط يقود لواءها وينفذ تفاصيلها باستقامة الأداء وإمامة «السخاء» في محفل مبارك تشهده «الملائكة» وتستشهد به قلوب تشربت «روحانية» الذكر الحكيم في آيات تسربت بردًا وسلامًا في أرواح القائمين والركع السجود. أسامة خياط وجه نبيل للإمامة وأنموذج أنبل للوفاء والاستيفاء في مهمة عمر وهمة حياة ليحفر اسمه في أسمى متون «المهنة» مكانا وزمانا وإنسانا.