مؤسسات أو مراكز التفكير أو ما يسمى باللغة الإنجليزية think tanks تعتبر أحد أهم مصادر اتخاذ القرار في مجال السياسات العامة في مختلف المجالات على المستوى الدولي والمحلي للدول، حيث تعتبر الرابط بين المجال البحثي والمجال التطبيقي أو بين مراكز البحث وصناع السياسات المختلفة، كما أنها في الدول المتقدمة تمثل حلقة وصل بين الدولة وبين المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني، استخدم مصطلح مراكز التفكير وهناك ترجمات عربية أخرى لها. هذه المراكز تعمل بشكل مستقل عن الحكومة وتصنف في غالبية الأحيان كمؤسسات بحثية غير ربحية أو غير حكومية، وهذا ما يساعد على ضمان استقلاليتها وقوتها الفكرية والعلمية. العصر الذي نعيش فيه يتسم بضخامة المعلومات وتزايد المواضيع التي يناقشها، وزيادة تضارب المصالح والتنافسات بين مختلف الأقطاب والمؤسسات على مختلف المستويات؛ وبالتالي زيادة القنوات المساهمة أو اللاعبين في صنع القرارات المختلفة، وزيادة التنافس على الموارد البشرية والمادية. مراكز التفكير تسهم في مساعدة صانعي القرار على التعامل مع هذه الإشكاليات، حينما تكون مستقلة وموثوقة في بعدها عن التأثر بالمصالح، بالذات كون العديد منها يتجاوز دوره مجرد نشر الأبحاث التقليدية إلى توفير الرأي المستنير المبني على مرجعيات علمية وخبرات ذات قيمة. من الجوانب التي رصدتها التقارير ذات العلاقة هو ما يسمى بالمؤسسات غير الحكومية الوهمية؛ حيث أصبحت بعض الحكومات تدعم تأسيس مراكز بحثية أو مؤسسات تفكير غير حكومية وغير ربحية، والوهمية هنا تتمثل في تصنيفها بالاستقلالية رغم أن الحكومات تدعمها بطرق مباشرة وغير مباشرة لغرض تمرير قراراتها. البعض يعتبر الأمر طبيعياً، عدم وجود استقلالية لمراكز التفكير، مثلها مثل وسائل الإعلام؛ حيث يتطلب - أحياناً - أن تسهم الدول في إنشاء مراكز التفكير حتى تقلص التأثر بالتوجهات السياسية والأيديولوجية التي قد تحضرها بعض المراكز الخارجية. الدول تدعم عادة عن طريق جامعاتها وشركاتها ومؤسساتها الكبرى، وعن طريق قادتها الأغنياء، لكن المهم هو كيف يمكن بقاؤها قادرة على المساهمة الفكرية المستقلة. طبعاً باعتبار الجامعات والمؤسسات العلمية ناضجة علمية ولديها استقلاليتها. للأسف لا يوجد هذا المفهوم بجامعاتنا، كما أنه تغيب المراكز المتخصصة بتخصص أو قطاع معين، كمراكز البحث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإعلامية والتعليمية وغيرها من المجالات. رغم وجود فراغ كبير في قضايا تهمنا مثل الطاقة، البيئة، الاقتصاد أو التحولات الدينية والاجتماعية والجيوسياسية، إلخ. جزء من ذلك لتواضع يعود للبيئة العلمية وجزء يعود للثقافة والبيئة التنظيمية، خصوصاً تلك المرتبطة بالمؤسسات غير الربحية. يحاول البعض تسويق عملهم الفكري لكنهم ينزلقون بسرعة نحو مغازلة القطاع الحكومي فيتحول همهم إلى حشد أكبر عدد من الوزراء والمسؤولين للمشاركة في لقاءاتهم بحثاً عن الإعلام وتعظيم الأرباح المادية التي تنسف مبدأ الاستقلالية! طبعاً مراكز التفكير في كل العالم تعاني معضلة التمويل، وفكرة الاستقلالية التي كررناها لا يقصد منها خلق كيانات فكرية معادية بقدر ما هي مصلحة الدولة والمجتمع وكذلك الحكومة أحياناً إلى وجود آراء مستنيرة غير متأثرة بتعارض المصالح الذي هو داء يشوب كثيرًا من الأعمال...