في هذا الجزء من هذا المعجم أحسب أن ما سوف أبثه لعامة العلماء والمثقفين ذو بال وذو نسق مع ما سبقه من طرح سالف في حوض مليء متين. وعلى هذا فإني ضارب مثلاً قائمًا مثله لا يريم ذلك حتى يتسق الوصف مع شاكلة له لعلها موجودة عند الكثيرين. فالمخيلة في الدراسات العلمية التجريبية أوسع من العقل، أعني تصوره ورؤاه ومناحيه، ولهذا يجب أن تكون المخيلة تحت المراقبة الإرادية العاقلة المكينة، فإذا لم يكن الأمر كذلك ساحت المخيلة تفترض كل شيء من هنا وهناك فلعله يحصل من جراء ذلك كل ما يزعم الإنسان أنه صالح وليس بصالح، أنه نافع وليس بنافع، أنه صواب وليس بصواب. ولهذا ضبط الله جل وعلا الأرض والخلق بالرسل عليهم السلام بالوحي لتكون المخيلة منضبطة فلا فتن ولا حروب ولا ظلم ولا بغي ولا فاحشة ولا كبر أو حيف، أنظر حال كل أمة قبل بعثة كل رسول إليها كيف هي ثم أعد النظر بعد ذلك بضابط العقل الحر المتين. فما هي المخيلة على أساس مشابه قريب؟ 1 المخيلة شيء معنوي تتولد منه كافة التصورات. 2 المخيلة عمى البال عن الصواب مع سعة النظر في هذا. 3 المخيلة سعة استجلاب الحالات الافتراضية. 4 المخيلة قوة التصور وسعة الأفق غير المنضبط. 5 المخيلة مأخوذة من التخيل فقد يكون الشيء لا شيء. 6 المخيلة توليد الأفكار والرؤى الآحادية. 7 المخيلة تخيل ما لا يمكن غالبًا قبوله عند التدبر وحكم العقل. 8 المخيلة ضرب الأمثلة والصور دون ضابط صحيح. 9 المخيلة التصور التلقائي الذاتي وجلب التهويل. 10 المخيلة افتراض الصور والحالات لتركيب الحكم دون بلوغ درجة الاجتهاد العلمي ودرجة الاجتهاد العقلي. وهذه الصورة غالبًا إنما تكون لدى بعض العلماء والدعاة والباحثين وبسبب هذه المخيلة يقع الخلاف. 11 المخيلة الصور الذهنية المطلقة المتشككة دون رقابة جيدة من الإرادة الواعية. وهذه الحالة يقع فيها من لديه بعض الأمراض النفسية خاصة من ذوي الضلالات الذهنية، وهذا النوع قد يتعب كثيراً الأطباء في الوصول معهم إلى علاج، وليس هذا محل بيان مثل هذا. وهناك صور للمخيلة لست بجالبها تركتها لأنها لا تصلح للطرح عيانًا، لكن يجوز القيام بذلك في المؤتمرات أو الاجتماعات المغلقة. وكصورة من صور جنوح المخيلة غير المنضبطة وصورة منها منضبطة أورد ما كنت قد دونته في مذكراتي الباكرة، فقد كتبت ما يلي (إن التلميذ الذي ينتظر أن يعاقب بضربات العصا يقاسي في مخيلته مئة ضربة وسيتعذب دون فائدة إذا كانت دعوت لغير هذا، ولكن إذا كان هناك تلميذ ذو مخيلة أكثر نظامًا فإنه يرفض أن يترك أفكاره تتوقف عند هذه المسألة حتى يبلغ غرفة المدير. إن القلق هو الذي يؤذي، والقلق هو المخيلة، والمخيلة لا بد أن تخضع للمراقبة). وهذه الحالة هي ما أدعو إليها دائماً لنوجد الشخصية السوية في هذه الحياة وفي كثير من سور القرآن خاصة براءة والأنفال والنحل والإسراء والشعراء والقصص ويسن وخاصة سورة نوح عليه السلام وفي ترجمة معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وأبي عبيدة عامر بن الجراح وابن مسعود شيء تجده من حال جليلة من نسق عال من شخصية متزنة على حالة قائمة من مخيلة متسقة بينة، ولذلك حصل الجمع لديهم بين الرواية والدراية فجاء التجديد. وقد نظرت ترجمة إبراهام لنكولن وترجمة روزفلت فوجدت أن المخيلة لديهما ذات مسار متسق مع عقل دنيوي، ولهذا كانت رئاستهما حسنة على السلم العالمي. ومن هنا أذكر أن دور المستشار المكين الرزين ثقيل العقل هو ما تنضبط به مسار الحياة، وهذا ما ألمح عليه ابن عساكر في كتابه الخالد (تاريخ دمشق). ولعلي أذكر من نوافل القول أن الصبر الواعي الفطن للأكدار مع المنغصات مع التأقلم معها هو من معاني {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.