منذ الثورات والحروب في القرن التاسع عشر وحتى الحروب العالمية الأولى والثانية، تنبه القادة العسكريون على أهمية حشد الناس والتأثير عليهم ونشر الإشاعات ليسهل احتلال المدن والناس، وظهر مصطلح الطابور الخامس الذي يطلق على الأفراد العاديين داخل المدن أو الدول التي تستطيع بث الإشاعات والفوضى وتزويد الغازي بمعلومات مهمة تسهل عملية احتلال المدن بأقل الخسائر وبأسهل الطرق. وأدركت المجتمعات أهمية الطابور الخامس فيها ومدى تأثيره على صنع القرارات والاستفادة القصوى منه، واستثمر ذلك السياسيون والاقتصاديون والرياضيون.. لتحقيق مآربهم من خلال إيجاد طابور يحقق أهدافهم من خلال بث الإشاعات والمعلومات حسب البوصلة المرجوة لصاحب التوجه. قد يكون الطابور الخامس يعمل دون إدراك أو وعي أو فهم أنه يؤدي مهمة مرسومة له من خلال تنفيذ مصالح جهات مستفيدة وقد تكون بحسن نية أو من خلال نظرة ضيقة للأمور والدلالة على ذلك رأينا في السنوات الماضية من خلال الأسواق المالية والأسهم كيف استطاع الاقتصاديون في مختلف أنحاء العالم من توجيه الناس وصنع طابور خامس بعلم المنفذين في أحيان وبدون علمهم في أحيان كثيرة، وقس على ذلك الرياضة والعقار...الخ ومع التوسع التكنولوجي في عالم الاتصالات وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي غدت صناعة الطوابير عملية في غاية السهولة ولا تحتاج إلى حشود أو تكاليف باهظة، أصبح الطابور من السهولة صنعه وتوجيهه خلال دقائق ومن أي مكان في العالم وتنبهت كثير من الدول من خلال الأجهزة الأمنية والاستخبارية إلى أهمية ذلك ومراقبته والاستفادة منه، وفي كثير من الأحيان منع وسائل التواصل في بلدان أو تقنين وجوده. لذا أصبحت الدول تحارب بعضها من خلال إنشاء طوابير إلكترونية وإعلامية لبث الإشاعات واستغلال الأحداث وتضخيمها وتسليط الضوء عليها حسب البوصلة المرادة، وصارت هناك آلاف الطوابير التي لا تحتاج إلى كبسة زر وثقافة تعزز ذلك من خلال أن لا دخان من غير نار وقانون متساهل لبث ما يريد مع ضعف رقابي وصعوبات تقنية. نحن بحاجة إلى وعي المجتمعات وتكاتف الجهود والارتقاء بالمشهد الإعلامي، وتفعيل القوانين والأجهزة الرقابية للاستفادة من كل الجهود لتعزيز المواطنة والإنتاجية وبث الأمل والتفاؤل لرقي المجتمع بدلاً من جلد الذات والتركيز على الأخطاء وتضخيمها والسلبيات وبثها وإخفاء أي جانب إيجابي، فالدول لا ترتقي إلا بتكاتف الجميع ومساهمتهم في بناء مجتمعاتهم وتطورها بعيداً عن التنظير والتخوين والإقصاء فنحن بحاجة إلى التصدى للهجمات الشرسة التي تجري ليل نهار لإيقاف مسيرة التقدم والتطور والنمو.