نستكمل ما بدأناه سابقا في قراءتنا لرسالة (اللسانيات والتكامل الثقافي المتوازن في تعليم العربية لسانا أول) للأستاذ الدكتور محمد صلاح الدين الشريف، من إصدارات مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية: - ص39: في حديثه عن اللسانيات التطبيقية في العالم العربي يطعّم حديثه بما يشبه التهم قائلا: «ففي الصراعات، يستعمل العلم كما تستعمل كل الأسلحة: كل يوظفه بمقتضى ما يريد باختيار الجزء الذي يناسبه من الحقيقة، والذي يقدمه وكأنه الحقيقة العلمية الوحيدة والجديرة بالاعتبار [وماذا عن الملقي نفسه؟]. فقد رصدنا طوال العقود الماضية آراء كثيرة تمسك أصحابها بأنها آراء يستوجبها العلم الحديث. نذكر منها على سبيل المثال اقتناع جيل كامل [هكذا جيل كامل!!!] بفساد مفهوم العمل في النظرية العربية القديمة، واقتناع كثير من الدارسين إلى اليوم بأن الدارجات العربية ألسنة مختلفة لا تيسر للمتكلمين بها التفاهم المباشر [أجزم أن كثيرا من زملائنا وأساتذتنا في تخصص النحو والأدب والبلاغة وبعضهم ممن يحتفي بالملقي يرون هذا الرأي الذي يرفضه]، وقد يتبادر إلى أذهان البعض أن مثل هذه الآراء آراء تقتضيها اللسانيات...» فلا زال هناك متسع لتجهيل المخالفين وتسطيح فهم الآخرين! - ص50: «ليس الغرض مجرد التعريف بهذه الصناعة التطبيقية؛ بل التنبيه إلى أنها صناعة نفسية اجتماعية، وليست صناعة نفسية كما يتشبث بهذا المختصون في التعلم والاكتساب»! فحتى المختصون جهال بالجملة ويتشبثون! ثم يسهب: «... حتى لا تُركب اللسانيات النفسية، وهي الأكثر تطورا علميا، لأغراض عقدية لا تخدم المصلحة العامة والبعيدة المدى لهذه المنطقة الجغرافية المسماة عند البعض بالعالم العربي» لا أعلم ماذا يسميها صاحب الرسالة غير العالم العربي! كما أننا في خطر متوقع دائم ممن يركب العلم لأغراض عقدية! ونحن أمام إشاعة توجس دائم من العلوم الحديثة؛ ولا منجاة لنا بالتمسك بالنادر من المختصين كصاحبنا! - تحذير من أخطاء المختصين: ص52: «فمن الضروري الاحتراز من ميل بعض المختصين...» فحتى بعض المختصين ليسوا مؤهلين لدى هذه الرسالة في تخصصهم!! فلم يبق لنا إلا التمسك بحبل النجاة في هذه الرسالة. - ص54: «... هذا بالنسبة إلى تونس الصغيرة. فما بالك بالجزائر أو مصر أو الجزيرة...» هل يقصد بالجزيرة المملكة أم هي والخليج أم ماذا؟ غير واضح بالنسبة لي. - ص55: « فصرامة الأنظمة في اللسانيات المعاصرة إمثال ناتج عن تصورات نفسية وتقنية وعملية، وعن إهمال للأبعاد الاجتماعية الثرية...» هكذا يتم تقييم علم كامل بوقوع إهمال لأبعاد مهمة. - ص59: « هذا أمر تهمله أغلب البرامج التعليمية في العالم العربي [هكذا وبكل أريحية؛ ثم عقب باستدراك استباقي لمن يسأله وهو من عمل مستشارا لوزير التعليم ومسؤولا في تعليم تونس]؛ حتى البرامج التي أدلينا دلونا في وضعها، أفسدتها الوسائل التربوية المنفذة لها...» ولا أعلم هل يوجد أضخم من هذا ((التواضع)) ورمي المسؤولية على الآخرين؟! فلا عيب فيما يراه ويشارك فيه؛ إلا أن الآخرين يُفسدونه! - ثم في الباب الثاني يذكر كلاما جميلا في البداية لكنه يذيله بما يخالفه: «فاللسانيات تعج بالنظريات المختلفة. ومن الخطأ أن نعتقد أن إحداها قالت القول الفصل [جميل جدا، ثم يبرر منهجيته ويختم قائلا]. إلا أن كثيرا من العرب [هكذا كثيرون وليسوا قلة]، لضعف زادهم الفلسفي والمنهجي، يتعلقون بالنظريات الواردة بذهنية نقلية مستسلمة خالية من التساؤل العقلي الناقد» هكذا وبجرأة غريبة تطلق الأحكام ويشوه الكثير من الآخرين ويجهَّلون!! - ويبلغ التواضع مداه! ليصل حدا مرفوضا لا أعلم كيف يمرره المركز ويطبعه! يقول الملقي ص68 عما يراه نظريته: «وبالمثل، كانت «المقاربة النحوية التعاملية» عندنا جوابا عن تساؤلات لم تجب عنها النظريات اللسانية السائدة، ولا النظريات التعليمية المقترحة في هذا المجال. فقد بقيت هاتان الناحيتان عرضة لترقيعات [!!!] منفردة. فلا النظريات النحوية استطاعت أن تستوعب التواصل، ولا النظريات التداولية استطاعت أن تستوعب النحو. وهو أمر في نظرنا غير مقبول، ...[ص69] ... فليس ما نقدمه في هذا الفصل تطبيقا لما وصلت إليه المقاربة التواصلية، بل استغلال للفكرة على وجه لساني مخصوص يتجاوز ما وجه إليها من نقد، وما اقترح حلا لبعض نقائصها.» فما يقوم به الآخرون ترقيعات؛ أما ما يقوم به هو فانتقاء وتوظيف ذكي وكما يقول ص142: « نحطّب حيث نجد ما نصنع به سفينة النجاة»!! فما جاء به يحمل الإجابات الشافية!! - ص70 يذكر في حاشية رقم 2: «تطرق الكثير من المحدثين إلى علاقة النحو العربي بالمنطق الأرسطي. ولست على يقين من أن الكثير منهم كان في نقده صادرا عن معرفة حقيقية بالمنطق القديم...» هكذا يقيم الملقي الكثيرين!!! - ولا ينسى أن ينسف أفهام الآخرين ليبقى فهمه ص72: «فلم نكتف بتجزئة المفتاح كما فعل السابقون تجزئة تعيق فهمه، ولا بالإعراض عنه بدعوة قدمه، بل أخذنا جدّه في الحجاج بجدّ مثيل متسائلين عما في الواقع اللغوي من دواع لرأيه. ولا ننكر أن ذلك ما كان ليكون لو اكتفينا بالجري وراء الأعلام الكبار من اللسانيين دون الإصغاء إلى من دونهم من المناقشين لهم.» هل هناك ما يدعو إلى هذا التضخيم للمنهج المتبع!! ثم يسهب ص77: «ليس السؤال جديدا على التفكير النحوي القديم، ولا على المحدثين من العرب. فقد ترددت فكرة الربط بين الدرس النحوي والدرس البلاغي عن بعض اللغويين [ص78] منذ أواسط الماضي. لكنها بقيت في الأغلب شعارا حدسيا، أو ترديدا لبعض التوجهات دون سند نظري ومنهجي كاف...» فقيّض الله لهذه الأمة المسكينة هذه الرسالة التي تجاوزت كل العيوب لدى السابقين والمعاصرين!! قد لا نلوم الشخص على تسويقه لنفسه على الرغم من أن تضخيم الأنا مستهجن لكن ألوم الجهات الرسمية التي تفسح المجال لمثل هذا التوجه وتنساق خلفه وتسوق له بل وتحتفي به. - في الفصل الخامس: ص86 يذكر كلاما جميلا لكن لا أعلم هل اختبره في مختبر أم تصوره أم أخذه من غيره «يعني هذا عندنا...» ثم يصور الجهاز النحوي والمنظومات الذهنية والتصورات والانفعالات والحالات النفسية... وللأمانة فهذه عادة منتشرة عند بعض الباحثين العرب بأن يتأملوا ما حقه التشريح المخبري أو الإشباع النظري الفكري العميق من عدة تخصصات لكن عن طريق تأمل متخيل من باحث واحد. - ص96 في حاشية 1: «كثيرا ما يقع الخلط عند الدارسين بين النحو الصناعي...» فهذا صنف ثالث: إما صاحب هدف خبيث أو ساذج وإن سلم من هاتين فالكثير يقع في الخلط، فلم يبق إلا هذه الرسالة! - في 7 - 5 تحت مبحث «التنشيط التعاملي والتدخل التعليمي» هل يوجد فكرة جديدة تستحق الحديث ولم يشر إليها التربويون في كليات التربية لدينا؟ يبدو لي أنه يقوم بما قام به أحد الأساتذة الكبار عند مريديه ممن نُصِّب في كل تخصصات اللغة العربية حين قال في محاضرة عامة ومناسبة احتفائية به على أنه سيقدم ما لم يقدمه الآخرون: إن الذكاءات المتعددة لم تدخل تعليم العربية بعد!! وهو لا يعلم عن عشرات بل ربما مئات الرسائل عند جيراننا قسم التربية في كلية العلوم الاجتماعية فضلا عن الجامعات الأخرى في الذكاءات وغيرها؛ فقد كان ينظّر وينتقد الوضع الراهن مثل ملقي هذه الرسالة إلا أنه كان أكثر منه تحفظا وأقل حدة واعتدادا بما يقدمه. سأتوقف هنا وسنكمل في الحلقة التالية ما بدأناه. ** **