لا وقت للتفكير ربما هي الجملة المعبِّرة عن واقعنا في التعامل مع الإنترنت خصوصاً الشبكات الاجتماعية، التي أصبحت جزءاً من الروتين اليومي في تلقي المعلومات واستهلاكها. في عام 2009 أصدر روزنبورغ وفيلدمان كتابهما «لا وقت للتفكير» للفت نظر القرّاء لخطر وتهديد سرعة وسائل الإعلام على مدار الساعة، ويركز الكتاب على التكهنات «نصف الحقيقة»، وعملية التلاعب بالرأي. فلم يعد الهدف من إنتاج الأخبار إعلام الجمهور بالأحداث المهمة الحالية، بل توجية الرأي العام لقبول وجهة نظر واحدة، فالجمهور ليس لديه وقت للتفكير في الأخبار وتحليل ما يراه ويسمعه، بدلاً من ذلك هناك توقعات بأن يقبل الجمهور الأخبار، فالتعرض المفرط للأخبار على مدار ال24 ساعة، لا يترك مساحة لعملية التفكير. الضخ الإخباري يتجلَّى في تغطية حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فقد أظهر تحليل لرويترز أن موقع Alawatanews.com يضم شبكة لا تقل عن 53 موقعاً إلكترونياً، تضخ مواد إخبارية وتقارير مزيَّفة حول الجريمة والحكومة السعودية باللغة العربية، لتوزيعها ونشرها على الإنترنت، لتضليل الرأي العام العالمي حول القضية. وكشفت الوكالة أن بعض هذه المواقع تتبع لمالك واحد يدعى محمد ترابي، وقد وصفت رويترز إحدى المقالات الزائفة التي انتشرت وكانت تستهدف الأمير محمد بن سلمان بأنها «جزء من حرب معلومات شرسة» لزرع الفتنة بين الشعب السعودي وقيادته. وقد لقيت التغطية الإعلامية لمقتل جمال خاشقجي الاهتمام والتحليل من قبل مجموعة الدراسات الأمنية الأمريكية، لتحليل التغطية من خلال تتبع مصدرها ومن يحركها. حيث أوضحت المجموعة كيف ساهمت الحكومة التركية في استخدام «نموذج الدعاية النارية» الروسية، لتحويل القصة إلى حدث دولي كبير له تداعيات إستراتيجية. ففي الوقت الذي يختفي فيه شخص بمكانة رئيس الإنتربول دون أثر، أو ضجة إعلامية تتابع الحادثة، تغرق الشبكات الاجتماعية بطوفان عالمي حول قصة الصحفي السعودي، لأن الحكومة التركية ممثلةً بجهاز الاستخبارات تدير العملية المعلوماتية، بمساندة الذراع الإعلامي القطري «الجزيرة»، لتحقيق أهدافها في شيطنة السعودية، في غياب شبه تام لعملية منظمة مماثلة حول اختفاء رئيس الإنتربول الصيني. دفعت الحكومة التركية العملية الإعلامية المنظمة إلى الواجهة عبر تكثيف الضخ باللغة التركية، العربية والإنجليزية، وحقن الجمهور بالمعلومات المخلوطة الصحيحة والخاطئة، في تسلسل محكم لتصديق الرواية التركية، عبر السرد القصصي الجاذب للجمهور، الذي يتابع ويقبل على البيانات المكثّفة، دون تفكير أو وعي بما يدور حول التغطية الانتقائية المقصودة. فعلاً لا وقت للتفكير أمام الطوفان الإخباري المنظّم، ولا وقت للتمحيص والتثبت في عصر السرعة، هو وقت بلا شك لتجهيز الجيوش الإلكترونية المتسلّحة بالحقائق والمعلومات، وبكل اللغات لتوصل صوتها، وتخوض حربها أمام الجيوش الإعلامية المضللة.