اختارت أمريكا يوم 5 نوفمبر بداية لتطبيق الحزمة الأشد لعقوباتها الاقتصادية على إيران وهو الذي يصادف ذكرى اقتحام السفارة الأمريكيةبطهران عام 1979م عندما سقط الشاه وتولى الخميني حكم إيران مما يشير لدلالات تذكيرية للأمريكيين والعالم، بما قام عليه نظام طهران منذ أيامه الأولى بالحكم من نهج عدائي للعالم. فأمريكا فرضت منذ قيام ثورة إيران الكثير من العقوبات على طهران واعتادت الأخيرة عليها وبدأت تتماشى معها وتتحايل عليها بطرق عديدة وامتلكت خبرة واسعة في ذلك، لكن الحقيقة أن تلك العقوبات كانت محدودة والقصد منها إجبار طهران على تغيير سياساتها من خلال إضعاف قدرتها الاقتصادية إلا أنها لم تدخل للتفاصيل المؤثرة بشكل كبير على قدرة النطام الإيراني على الحركة خارج هذه العقوبات ولم تصب قطاعاته التي يعيش عليها بضرر كبير لذلك كان تأثيرها محدوداً. أما العقوبات الحالية التي فرضها الرئيس ترمب ودخلت حزمتها الأصعب حالياً فهي ستكون ذات تأثير بالغ لأنها تشمل القطاع المالي، حيث ستمنع البنوك الإيرانية من التعامل عبر نظام سويفت للحوالات مما سيصعب من حركة التبادل التجاري لإيران عالمياً وسيرهق القطاع الخاص بتعطيل قدرته على التعاملات الدولية وكذلك حوالات الأفراد، يضاف لذلك العقوبات على قطاع النفط فالصادرات الإيرانية التي تصل لمليوني برميل يومياً ستهبط 50 % بينما استثنيت بعض الدول لتستمر باستيراد النفط الإيراني لمدة 6 شهور لكن بشرط أن يدفع ثمنه غذاء ودواء وسلعاً أساسية لحياة المواطن الذي تقول أمريكا أنها لا تستهدفه بالعقوبات أي أن إيران ستعاني من شح بالعملة الصعبة كما ستطال العقوبات قطاع النقل البحري الموانئ والسفن الإيرانية وكذلك الخطوط الجوية الإيرانية بالإضافة لمئات الأفراد من أصحاب النفوذ بإدارة شئون إيران وكذلك الشركات والجهات المؤثرة في اقتصاد إيران. أما على الجانب الآخر من العقوبات فقد هددت أمريكا بمعاقبة الشركات العالمية التي تتعامل مع إيران وشهدت الشهور الماضية انسحاب حوالي 100 شركة عالمية من إيران بمجالات عديدة منها النفط وصناعة السيارات وغيرها فجميعهم لن يفضلوا السوق الإيراني على الأمريكي فحجم التبادل التجاري لأمريكا مع العالم يتخطى حاجز 3 تريليونات دولار من أصل حوالي 21 تريليون ولذلك لا يمكن لأحد أن يضحي بعلاقته مع أمريكا لأجل إيران. فالعقوبات الحالية تبدو هي الأشد والأقسى على نظام طهران وتدخل تأثيراتها بكافة مفاصل الاقتصاد الإيراني وقد تؤدي لارتفاع التضخم أكثر مما هو عليه الآن إضافة لهبوط أوسع بالعملة المحلية التي تقف عند 150 ألف ريال إيراني مقابل كل دولار بالوقت الذي كان الدولار يعادل 70 ريالاً عام 1979م أي أن سعر صرف الدولار ارتفع بحوالي 2000 ضعف مما يشير للحال الصعب للاقتصاد الإيراني الذي إذا استمر خنقه بالعقوبات الجديدة فإن فرص التحايل لن تكون واسعة وستواجه إيران أوضاعاً صعبة وهو ما أشار له الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أكد صعوبة الوضع الاقتصادي للمرحلة المقبلة، وأن أمريكا تستهدف بها تغيير النظام ووعد بالتحايل عليها مطالباً الشعب الإيراني بتحملها. عقوبات أمريكا الجديدة على إيران ليست الأولى لكن تبدو الأوسع نطاقاً وتأثيراً لأنها تطال مفاتيح عمل النظام والأجهزة المغذية لنشاطاته وإن كانت إيران تعاملت مع عقوبات سابقة لكن ذلك لا يعني أنها ستتمكن دائماً من الإفلات من آثار الجديدة عليها، فالعديد من الوزراء بحكومة روحاني أقيل أو استقال بسبب مشاكل الاقتصاد المستعصية على الحل، لكن المشكلة الأكبر التي تواجه إيران هذه المرة هي ضعف قدرة المواطن على تحمل الوضع الاقتصادي السلبي والذي يعتبر أن سببه سياسات حكامه.. فهل سيكون هو عامل الحسم في تغيير سلوك طهران ونهجها التخريبي بالمنطقة..؟.