تفرز الأزمات الألوان، وتجعلنا نفرِّق بين الأسود والأبيض والرمادي، لذلك، نستطيع القول إن كل أزمة تمر بها الدول قد تستفيد منها، بحيث تجعلها تعيد حساباتها داخلياً وخارجياً، وتتضح لها الأبواق المأجورة وتطفو على السطح، ويعرف الصديق من العدو والمحايد. إعادة الحسابات يجب أن تبدأ من الداخل، ومعرفة ما إذا كانت هناك وفي بعض الأجهزة الرقابية والحساسة في الدولة أي اختراقات من بعض معتنقي الأفكار والأيديولوجيات التي هم بأنفسهم لا يعرفون عنها أي شيء، بل شدتهم العاطفة الدينية والغيرة على الدين وأرض المقدسات إلى الدخول في وحلها وأصبحوا على ما فعلوا نادمين، تنتابهم الحسرة وعقدة الذنب وفِي الوقت نفسه تتعارك بداخلهم التناقضات وعدم اتضاح الصورة لديهم، بسبب العاطفة التي غشت عيونهم وعقولهم عن الطريق السوي، مثل هؤلاء، غرَّتهم الخطابات الرنانة؛ ونجد بوصلتهم ليس لها وجهة، وسبب ذلك الأخبار والتقارير التي تنتج باحترافية عالية والتي يقوم بها والإشراف عليها فريق أكاديمي متخصص في كل المجالات النفسية والسياسية، والتي تصل للعالم العربي عبر قنوات ناطقة باللغة العربية ولا يُعرف مؤسسوها ولا أهدافها وتدعي الحرية وحقوق الإنسان. في كل أزمة تمر، تتضح للشخص الواعي والفطن الأبواق المأجورة والمسعورة والتي ما إن حققت أهدافها تعود لجحورها، ثم بعد ذلك تتحول خطاباتها ورسائلها مباشرة إلى رسائل نصح وهداية وموعظة وفتوى وملامسة احتياجات الفرد أينما كان، لأن الإنسان العربي والمسلم تعد هذه النقطة حساسة بالنسبة إليه وخطاً أحمر يستطيع أن يبيع الغالي والنفيس من أجلها، لذلك يستخدمها الأعداء ويركزون عليها ويحاولون أن يقنعوا المواطن بأن سبب ضيق العيش وغلاء الأسعار وشح المطر بسبب لعنة السماء وغضب الرب على أفعالهم، وبعد أقل من أسبوع وذلك على حسب قوة ذاكرة الأفراد المستهدفون؛ تبدأ هذه الأبواق بتغيير الموجة إلى مهاجمة المؤسسات والوزراء حتى يوهموا الفرد والمجتمع أن السبب هو الفساد، والسكوت عن المطالبة بحقوقهم وذلك بالتظاهر والخروج على الحاكم، ثم بعد ذلك تجعل الحدث عالمياً وقضية رأي عام دولي. الأزمات تكشف لنا من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء، وأيضاً تكشف لنا المحايد والذي يرى أنه يجب أن يلتزم الصمت، مستدلاً بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الزَم بيتَكَ وأملِك عليكَ لسانَكَ وخذ ما تعرفُ ودع ما تُنكرُ عليكَ بأمرِ خاصَّةِ نفسِك ودع عنكَ أمرَ العامَّةِ). لا يمكن أن تتم محاربة الدين مباشرة، لأن المجتمع الدولي يرفض ذلك بل العقل البشري والفطرة لا تقبله، ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن أعداء الدين أول من استهدفوا قائدهم، ولنا في قصص الأنبياء عظة وعبرة حيث خرج الناس عن دينهم بعد صلب سيدنا عيسى وخرجوا عن دينهم بعد وفاة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وزادوا بعد وفاته واخترعوا ديناً جديداً لهم. اليوم وفِي عصرنا هذا، أول ما تبدأ أجنداتهم بتهييج الشارع ضد مؤسسات الدولة، ثم يزرعون الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، وذلك حتى يقعوا بوحل الفتنة التي حذّر منها الدين الحنيف؛ لذلك نهى عن الخروج على الحاكم حتى ولو كان غير مسلم. في الختام، ما يجب أن نفعله في الأزمات هو أن نلتف حول القيادة ونضع أيدينا بيدها ونفوِّت الفرصة على الأعداء المتربصين بِنَا، ولن ينجحوا في أي مخطط لإسقاط الدولة ثم الدين ثم الأخلاق، فالدولة هي الأساس وهي التي تبسط الأمن، وهي التي تقيم المشاريع والمستشفيات والمدارس مجاناً وتدفع رواتب الموظفين والعاملين، فالسعودية تصدر فقط 12 في المئة من النفط للعالم وباقي النسبة 88 في المئة يجعلنا نفكر في حال الدول المصدرة للنفط كالعراق وليبيا وإيران وفنزويلا في كل النواحي، سنجد أن القيادة الحكيمة في بلادنا تدير شؤون الدولة داخلياً وخارجياً بكل قدرة واقتدار، ونرى ذلك بالعين المجردة من مشاريع جبارة من برامج ابتعاث وتبادل معرفي بين الدول، فالأبواق المأجورة أول ما طلبت هو إيقاف المشاريع والصفقات التي يعود نفعها على الفرد والمجتمع من حيث الاكتفاء الذاتي وتقليل التكاليف وضخها في الداخل وانتعاش الاقتصاد، وبذلك ارتفاع دخل المواطن. لذلك، نتعلم من الأزمات الكثير والكثير والأهم هو، كيف نعيد حساباتنا داخلياً وخارجياً، معرفة الأبواق وقنوات الإعلام المأجورة، ومعرفة من هو الصديق الصدوق من العدو.