الفن التشكيلي كلمة شاملة، تجمع كل ما تشكله أيدي الفنانين، أو يعيدون تشكيلة؛ لينتج عنه عمل فني، يندرج في اختصاص الفنان وقدراته بأن يظهر العمل مقنعًا له، وكاسبًا رضاه؛ ليقدمه للمشاهد. وهو فن وجد مع وجود الإنسان منذ زمن (النيانتردال) رجل الكهف والعصر الحجري. وقد وثقت فنونه التي رصدت في الكهوف عبر التاريخ وصولاً إلى اليوم الذي تعددت فيه سبل التنفيذ، وأصبح وجهًا من وجوده حضارات الدول ومستوى رقي ذائقته. أسهم الفن التشكيلي في كل مناحي الحياة، وعبَّر عن قضايا المجتمعات، ووثق ما يدور فيها؛ إذ أصبح لتلك اللوحات مكانها في المتاحف، تتناقلها الأزمنة، وتتبادلها مؤسسات التسويق والمزادات للأعمال الفنية باعتباره فنًّا يجذب الأعين، ويحرك الوجدان، ويفتح فرص استثمار لا تتوقف، بل يزيد قيمة الأعمال كلما طال عمرها، ورحل مَن أنجزها، وعلى مختلف العصور. وُلد في الكهوف وتطور مع العصور لم يغب عن مكتشفات الآثار والعلوم الإنسانية وما مرّ بها من مراحل تطور على مر العصور إلى يومنا هذا الذي أصبحت التكنولوجيا السمة الطاغية في حياته؛ فقد لفت متخصص الآثار إلى ما كان في الكهوف من رسوم، لها دلالات معينة، منها إيحاءات تتعلق بالسحر، وأخرى تعد من محفزات إنسان الكهوف وإزالة الخوف منه عند مواجهة الآخر في الحروب، أو لتحفيزه على الصيد وصولاً إلى ما مر بالإنسان وفنونه من علاقة بالأديان وخلافها. هذا الفن الذي ولد في الكهوف لم يكن إلا بذرة لما يحدث اليوم في العالم من تطور لتلك الرسوم؛ كونها مرتبطة بالإنسان، ولها في كل عصر مبدعون مرورًا بعصر النهضة وما أحدثه من تغيير ونقلة علمية وفنية وصناعية إلى أن وصلت الفنون لمراحل لاحقة؛ لتواصل سيرها في عصرنا الحاضر بكل السبل والتقنيات. فرصة للجادين وللمجربين ومن لا فن له ومع أن لهذا الفن من جذور وتاريخ وصلة بالإنسان إلا أنه مرَّ بمراحل كثيرة، منها ما رُبط أو قُيد بمعايير فنية، أعتقد كما يتابع غيري أنها كانت نتاج النقاد والحريصين على القيم الفنية التي أداها الفنانون في عصر النهضة إلى أن جاءت الحركات الجديدة، وأزاحت تلك القيود، وفتحت المجال لمختلف إبداعات الفنانين وابتكاراتهم في سُبل التعبير. هذا الانفتاح المحمود الذي منح الفنانين التحرك والبحث والتجريب، والذي يجري على مختلف الإبداعات الإنسانية الفنية والأدبية، خلق نوعًا من الحرية المطلقة لكل من يرى أن لديه إحساسًا جميلاً أو ميلاً لممارسة تلك الفنون؛ فأصبح لهذا التوجُّه الكثير من التصنيفات؛ فمنهم الجادون ممتلكو المواهب التي استُكملت بالدراسة أو الاكتساب من الخبرات بتواصل تنمية مهاراتهم، وعانوا الكثير في البحث عن كل ما يمكنهم من تطوير إبداعاتهم.. ومنهم من أُتيح له فرص الدراسة والتخصص لإضافة ثقافة نظرية شاملة، تسند مواهبهم وقدراتهم. ومنهم من لم يتمكن أو أنه اتجه لتخصص آخر مع الإمساك بزمام إبداعه بتأكيد حرصه من خلال التواصل مع من لديهم ما يمكنه من الأخذ بفنونه وتطويرها. أما الصنف الآخر، وهم المجربون الذين لديهم شيء من القدرات، فيثابرون لإيجاد مسلك من مسالك هذا الفن التي توصلهم للطريق الآمن، وهم الأقرب لأصحاب المواهب والقدرات. أما الآخرون فيمكن وصفهم بالمتشبثين بما ليس لهم فيه قدرة معتقدين أن لديهم تجارب مقنعة للنقاد أو للمتلقي مع أنهم لم يحققوا أدنى مستوى من الاعتراف بأن أعمالهم تستحق الإعجاب، أو تؤهل صاحبها لدخول معترك الفن والمنافسة.. فهؤلاء هم من لا فن لهم، ولا مكان لهم فيه. تتعدد أدوات تنفيذه.. يبدأ وينتهي بالفكرة وإذا عدنا إلى ما وصل إليه الفنان من حرية التعبير فنرى ذلك في تعدد الخامات بعد أن كانت الأعمال تتوقف عند الألوان وقماش أو ورق الرسم ونحت التماثيل إلى التحرر والقيام بما يطلق عليه (ميديا آرت) التي تعني استغلال كل ما تقع عليه يد الفنان للتعبير عن الفكرة كما جاء عن نيكولاس وميشيل Nicolas الجزيرة Micheal (1994. إن إضافة الوسائط والخامات الجديدة يرى فيها من يقوم بها جزءًا من سبل التغيير والتطوير، وهي الأقرب للجانب الصناعي إذا علمنا أن غالبية الأعمال ينفِّذها صنَّاع بناء على فكرة الفنان، وقد لا تحقق لهؤلاء الفنانين المكاسب المادية؛ فبعضها وقتي كما شاهدنا لأعمال الفنان حسن الشريف من الإمارات الذي أصبح مشهورًا مع أن أعماله قد لا تصلح إلا ليوم العرض فقط. كما أن منها ما يمكن اقتناؤه في حال جمع الفنان فيها جَمال الفكرة مع جمال التنفيذ المصنعي. المضمون يخضع للتأويل.. هذا التوجه في الفن وما طرأ عليه بعد الثورة الفرنسية وبعد ثورة التكنولوجيا أصبح متاحًا لكل من يرى أن في الميديا سبيلاً للتعبير عن فكرته حتى لو لم يكن لديه عمق التخصص الفني أو لديه سابق تجربة؛ فقد يجمع القمامة من الشارع، ويحجز لها مكانًا في المعرض كما شاهدنا من أعمال استُخدم فيها إطارات السيارات وبراميل البترول دون تدخل أو إضافات. هذه الأعمال كثيرًا ما تقبل التأويل، وقد يخرج التأويل عن سذاجة الفكرة إلى معنى أكبر، يلفت النظر ويثير الاستهجان مع ما يمكن أن يقدمه فنان محترف لديه أبعاد سياسية أو نقد اجتماعي أو ديني؛ ليقدم أعمالاً تلامس تلك الكيانات، منها المباشر ومنها الغامض. فن يجذب الأعين ويحرك الوجدان مع هذا التنوع يبقى الفن التشكيلي فنًّا تلتقطه الأعين، ويحلله العقل، ويحرك الوجدان، وتختلف عليه الأذواق، وتمتلئ به المتاحف، ويحرص على اقتنائه الأغنياء، ويتسابق عليه المستثمرون.. له جمهوره ومحبوه، وله عشاق يشدون له رحال السفر للتمتع، منهم المتخصص، ومنهم المتذوق.