اللهُ للفُصْحَى وسَامَتَها.. وتوْأَمَ اللهُ بين الدَّمْعِ والعَرَبِ! كانَ امرؤُ القيسِ يبكي سِقْطَ منزلِهِ.. وبَلَّ مِحْمَلَهُ دمْعاً فلمْ يَثِبِ..! وكانَ بينَ أُصَيْحابٍ يُكفْكِفُهُ أبو المُحَسَّدِ من حُزْنٍ ومن طَرَبِ..! وصَيَّرَ الدَّمْعَ شوقي ألفَ مُبْكيةٍ.. مُذْ صاحَ: يا جارةَ الوادي: ألا انتحبي! حتى انتهت لي مقاليدُ البُكاءِ.. فما في الكونِ من حُزْنِهِ إلَّا تفَجَّرَ بي! ولا لمحْتُ دموعَ اليُتْم في مُقَلٍ.. إلا ترقرقت الأمواجُ في هُدُبي! ولا سمعتُ بمظلومٍ هُنا وهُنا.. إلَّا ذَرَفْتُ على المظلومِ دمْعَ نبي! ولا نَمَا خبَرٌ عن زفْرةٍ عبَرتْ إلا رمَتْ بي حكايا الليلِ في تعَبي! ما بينَ صحرائِنا والدمْعِ آصِرَةٌ معقودةٌ بوصالٍ غيرِ مُنقضِبِ! وبين أرواحِنا والحُزْنِ مُذْ نُصِبتْ خيْماتُ أوجاعِنا عِشْقٌ بلاسبَبِ!! كأنَّما الدمْعُ يُنْمَى حينَ ننسِبُهْ لِصُلْبِ أجدادِنا.. في جْرْيِهِ الَّلجِبِ! كأنَّمَا (جِينُ) هذا الدَّمْعِ يعرفُنا فيَكْتَسِي صِفَةَ العُرْبانِ في النَّسَبِ! وليسَ من غُرْبةٍ للدَّمْعِ في جَسَدٍ.. أهلوهُ مافتؤوا للنِّارِ كالحَطَبِ!! قد أُشْرِبوا غُرْبةَ الأمطارِ من حَزَنٍ.. وأُلبِسوا عطَشَ الصَّحْراءِ عن كثَبٍ..! تقمَّصُوا نكهةَ الأطلالِ من حِقَبٍ في صمتِهم.. وأُذيقوا الحُزْنَ في حِقَبِ! مسافرونَ بجفْنِ الرِّيحِ من وعَثٍ.. وحالمون بتِينِ الصَّيفِِ والعِنَبِ! تسوقُهم نحوَ أعماقِ الظَّلامِ خُطىً مشدودةٌ بخطامٍ قُدَّ من لهَبِ! ويُجهشُ الضَّيْمُ في أقصى مواجدِهم فكُلُّ أضلاعِهم عزْفٌ على الوَصَبِ! كأنَّما أدمعُ العشاقِ ما انسكبت إلَّا لهُم.. وسواهم غيرُ مُنسكِبِ..! للآن.. أربُعُهم.. آثارُهم.. غُصَصٌ تَشِي بما استُنسِخوا من غُصَّةِ الكُرَبِ! أحلامُهم جُمَلٌ منصوبةٌ بأسىً ولم يكُنْ جَرُّهُم إلا إلى نصَبِ! قدْ قُدِّرَ الفجرُ أنْ يمشي على قَدَمٍ لكنَّهُ عندهم يحبو بلا رُكَبِ! شابتْ قوافلُهم في الجَدْبِ.. مُذْ خُلقوا وحُزْنُهم في ازدهارٍ.. والبُكاءُ صَبي! لذا تقرَّرَ: أنْ أبكي لأنَّ أبي بكى طويلا... وأجدادي ذوو الحَسَبِ!! ** ** - شعر/ مطلق الحبردي