دائرة التكتلات الاقتصادية بين الدول تتأكد جغرافيا أكثر منها شعورياً، لغوياً أو دينياً؛ فالاتحاد الأوروبي الذي حلم به المفكر والروائي والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو عام 1851 أخذ مئة عام ليتأسس عام 1951 بتوافق ست دول أوروبية هي فرنسا، ألمانيا الاتحادية، إيطاليا، هولندا، بلجيكا، ولوكسمبورج وصل الآن إلى 28 دولة، ورغم ما بين دوله من تمايز في السياسات الداخلية والخارجية إلى أن التكامل الاقتصادي يفوق بكثير الخلافات البينية. كما أن تحالف دول الآسيان التي تضم في عضويتها كل من ماليزيا، سنغافورة، إندونيسيا، فيتنام، سلطنة بروناي، لاوس، كمبوديا، تايلاند، الفلبين، بورما يعد مثالاً آخر على لعب الجغرافيا دوراً حيوياً في تشكيل التحالفات الاقتصادية العالمية، يضاف إلى ذلك تحالفات كمنظمة التعاون الاقتصادي (الإيكو) التي تجمع إيران، باكستان، تركيا، أذربيجان، تركمانستان، طاجاكستان، كازاخستان، أوزبكستان، أفغانستان، ومنظمة شنغهاي وفيها الصين الشعبية، روسيا الاتحادية، كازاخستان، قيرغيرستان، أوزبكستان، ومجموعة التعاون الاقتصادي لقارة آسيا والمحيط الهادي (إيبك) المكونة من 18 دولة ذات اتصال جغرافي. مقابل هذه التكتلات الاقتصادية النامية التي حققت نجاحات متفاوتة على قدر طبيعة العقبات التي تعترض سبلها، فإن دول جامعة الدول العربية لم تحقق شيئاً يذكر على صعيد التكامل الاقتصادي والإستراتيجي، وليس العيب في المنظمة ذاتها وإنما في الأساس الذي قامت عليه والذي اجترح الشعارات سبيلا لتحقيق أهدافه بدلاً من تكامل السياسات الاقتصادية والإستراتيجية.. وعلى أية حال فالمتفائلون يحمدون للجامعة فضل البقاء على قيد الحياة كمنتدى جامع لوزراء خارجيتهم ورؤساء دولهم. حقبة الفوضى التي تعصف بالمنطقة عربها وعجمها، بدياناتهم كافة تستلزم التفكير تصورات بديلة يمكن أن تقوم عليه تكتلات جديدة على أسس اقتصادية وسياسية واقعية بعيداً عن التعصب العرقي أو اللساني أو الديني. فشبه الجزيرة العربية التي تستوطنها عدة دول أكبرها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والبحرين والكويت شكلت تكتلاً أمنياً أثناء حرب الخليج الأولى، تطور اقتصادياً، ولكنه تعثر في منعطفات من تاريخه، وإن حقق نجاحات لا تنكر. واحدة من أسباب تعثره أنه ربُط بالخليج، وهذا مفهوم في وقت إنشائه لتأكيد عروبة هذا الممر المائي وأيضاً لحشد الإمكانات في وجه خطر على ضفة الخليج الشرقية. هذا التكتل المسمى مجلس التعاون الخليجي يمر اليوم بواحدة من أصعب أزماته التي تهدد الأسس التي قام عليها. ولذلك فإن التفكير في البدائل التي تدعم ما تبقى منه -وليس بالضرورة تقوم مقامه- هو الانفتاح على ضفة البحر الأحمر الغربية. أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية هي المملكة، وامتداها على الضفة الشرقية للبحر الأحمر يفوق بمراحل امتدادها على خليج العرب، ولذلك فإن إعادة تشكيل المصالح وفق رؤية استشرافية للمستقبل هي أفيد بكثير من التمسك برؤية دفاعية بحتة لم تعد كافة دوله تؤمن ببواعث نشأته الأولى. قيام المجلس في وجه الخطر الذي مثلته الثورة الإيرانية عام 1979م واندلاع حرب الخليج الأولى تفرض المتغيرات المعاصرة النظر غرباً للتطلع إلى المستقبل بتحالف أقوى وأشمل يعيد التوازن للمعابر الرئيسية للتجارة الدولية ويعمل على اكتشاف مصادر قوة تستجيب لمتطلبات التحديات القادمة، وأهمها الأمن الغذائي والمائي. لا يجب أن نحشد كل الجهود للمواجهة المكانية المباشرة مع مصدر الخطر وإنما المسارعة إلى مواقع أخرى قبل وصوله وسيطرته عليها. إنني أكرر حلم فيكتور هوجو بأن يقوم تكتل اقتصادي أمني وإستراتيجي جديد ينتظم في جانبه الشرقي كل من السعودية والإمارات ومن شاء من دول مجلس التعاون، واليمن -بعد أن يتحدد مصير شماله- مع الدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر والمتمثلة في الصومال، جيبوتي، إرتيريا وإثيوبيا (بعد المصالحة التي قادتها السعودية والإمارات)، السودان ومصر. جربنا منتدى هو مجلس التعاون الخليجي، وجامعة لسانية هي جامعة الدول العربية، فلنجرب تكتلاً هجيناً تختلط فيه الدول بين ملكية وجمهورية، والألسن بين عربية وأعجمية، والديانات بين مسلمة ونصرانية. لتجمعنا هذه المرة المصالح في محيط جغرافي متقارب نسبياً.