وأنا أتابع فضائية (المسيرة) الحوثية ضحكت وشر البلية ما يضحك، فقد ظهر على الشريط الإخباري عبارة تقول (قاطعوا أمريكا)، ومثل هذه العصابات عصابات كهنوتية، خرافية، تؤمن بالمعجزات، تقوم على أنها تملك الحقيقة المطلقة، وأن الله حتمًا سينصرها، وهذا ليس شأني هنا، إنما أريد في هذه العجالة أن أناقش فكرة المقاطعة الاقتصادية عند الكهنوتيين بمختلف مشاربهم، وهي الدعوة التي كثيرًا ما نسمعها من المتأسلمين هذه الأيام، ومارسها العرب القوميون -أيضًا- في الماضي تجاه بعض البضائع الأمريكية، التي كانت تتعامل تجاريًا مع إسرائيل، وكما يقول التاريخ فإن تلك المقاطعة (الغبية) فشلت فشلا ذريعا، وتبخرت كل النظريات ذات الاتجاه الاشتراكي حينها التي أرادت أن تحاصر أمريكا اقتصاديًا، وفي الوقت ذاته تسوق بضائع المعسكر الاشتراكي حينها. غير أن العرب -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لا يتعلمون من أخطائهم. الحوثيون، ومثلهم الفرس الصفويون، ومن يدور في فلكهم من تيارات التأسلم السياسي، هم أجهل خلق الله في أرض الله في الاقتصاد، ومآلات بعض الأفكار التدميرية على اقتصاد الدول؛ فالولي الفقيه هو أول من أطلق نظرية (اقتصاد المقاومة)، متحديًا الغرب وأمريكا، وهذه النظرية هي التي جعلت حال الإيرانيين كما هو عليه الآن، فقرًا مدقعًا وتخلفًا في جميع المجالات، ولولا أن الرئيس الأمريكي الآفل أوباما وقع معهم الاتفاق النووي، وألغى قيود المقاطعة، وأعاد لهم مليارات الدولارات، لكانت إيران المتأسلمة جزءا من تاريخ إيران الماضي ولم يعد لها وجود في الحاضر. وفي تقديري أن الرئيس ترامب إذا مضى في أجندته ضد التغول الإيراني، ستندثر حتما هذه الدولة الكهنوتية، أسرع مما كنا نتوقع. والمقاطعة الاقتصادية، ومطالبة البسطاء بها، كما ذكرت آنفا، ليست حكرا على دولة الملالي ولا الحوثيين فحسب، وإنما يشترك معهم الحركيون المتأسلمون من أهل السنة أيضا، فقد طالب الصحويون السعوديون أيام تألق الصحوة وسطوة أساطينها بمقاطعة أمريكا أسوة بمقاطعتهم للدنمارك، ظنا من هؤلاء البسطاء أن المقاطعة ستُركع أمريكا، وتجعلها تتماهى مع مطالبهم وتتخلى عن دعم إسرائيل؛ لأنهم لا يدركون أن اقتصاد الدول العربية، بما فيها الدول البترولية، ليس إلا (فراطة) إذا ما قارناه بالاقتصاد الأمريكي؛ يكفي أن يعرف هذا المتأسلم البسيط الجاهل، أن في أمريكا فقط تتنافس الآن أربع شركات أمريكية على أن تحقق عام 2020 دخلا يربو على الترليون دولار، أي أربعة آلاف مليار ريال؛ فالمتأسلم عندما يهدد بمقاطعة أمريكا، فهو أشبه ما يكون بموظف بائس كحيان يهدد سوبرماركت بنده أو العزيزية مثلا بأن يقاطعها؛ وبالمناسبة فإن كل الأربع شركات التي تتنافس على إيصال مداخيلها إلى التريليون دولار شركات معرفية، أي أنها تبتكر وتعمل في التجارة الرقمية، في حين أن كثيرين، ومنهم من يحملون درجة الدكتوراه لدينا، ما زالوا يجهلون جهلا مطبقا ما هي الشركات المعرفية، ناهيك عن تصور عملها. الذي أريد أن أقوله لهؤلاء الحوثيين، ومن هم يتشاركون مع الحوثيين في المرجعيات المعرفية، أن العالم يصغر، ويتطور بسرعة لم تعرفها الأمم من قبل، فقاطرة العلوم والاكتشافات والابتكارات والإبداعات، لن تنتظر أحدًا، فمن نزل من هذه القاطرة فلن يستطيع اللحاق بها أو حتى التعايش في زمنها. إلى اللقاء