على الرغم من إيماني الدائم بما جاء في نظرية «موت المؤلف» إلا أنني على قناعة بأنَّ كُل كاتب لابُد وأن يترك في عمله الروائي أو قصائده شيئًا من أثره، لأن الكتابة في أساسها هي عملية تداع للخبرات المتراكمة والأحداث الخالدة في ذاكرة كل مؤلف بما تحمله من تفاصيل، أي نعم أنها قد لا تمس حياته بشكل مباشر، ولكن لابد من أنَّ جانبًا ما قد مر بحياته وترسخ في «قلق أصابعه» ما دعاه للكتابة عنه مع تغيير بعض التفاصيل، فالخيال وحده لا يكفي إن لم يكُن لدى المؤلف تجربة تُثري هذا الخيال أو على الأقل بالوقوف على تجارب الآخرين. لذلك يمكن القول إنَّ وراء كُل عمل أدبي سيرة محتملة ولا أقول مؤكدة. يقول الروائي الياباني هاروكي موراكامي في حوارٍ ترجمه محمود حسني ونشرته مكتبة تكوين على موقعها الرسمي: «كل شيء عبارة عن سيرة، ولكن في الوقت نفسه فأنا أغيركل التفاصيل عندما أكتب عملًا روائيًا.» واستطرد قائلًا عن ماركيز: «بالنسبة لي، أتوقع أن ماركيز كان يكتب عن واقعيته هو، وأعتقد أنني أقوم بالشيء نفسه. فأنا أكتب عن واقعيتي، عالمي الحقيقي». ومن وجهة نظر شخصية فإنَّ العمل الأدبي الذي يُبنى على خيال محض لا يمس القارئ ولا يثير حواسه كما يفعل العمل الذي يستقي فيه الكاتب الأفكار من تجارب شخصية، وهذا لا يعني أنَّ كامل العمل لابد أن يكون واقعيًا، فربما فكرة واحدة أو تجربة قصيرة تشعل الفتيل الأول للكتابة في ذهن المؤلف ليبدأ بعد ذلك رحلة «التخيل». ** ** - عادل الدوسري