ليس جديداً القول إن قطر ليس فيها من عوامل القوة والبقاء شيء يذكر، فهي دويلة صغيرة، كانت ترتمي على ضفاف الخليج، تفتقر إلى كل عوامل الدولة، فهي بلا تاريخ، وبلا تعداد سكاني، وتستمد ثقافتها، وكل مقومات الحياة فيها، من كونها على تخوم المنطقة الشرقية في المملكة، ليس إلا. قطر يحكمها اليوم ما يسمونه هناك بالأمير الأب، حمد بن خليفة، والد الأمير الحالي، فهو يطبق على توجيه القرار القطري في الداخل والخارج، ولا يملك الأمير الحالي إلا قضايا بروتوكولية شكلية، لا تقدم ولا تؤخر. الأمير الأب حمد بن خليفة ظن أنه من خلال الوفرة المالية ذات الأرقام الفلكية، يمكنه أن يكون زعيما قويا، يصنع التاريخ، ويأتي بما لم يأت به الأوائل. ويبدو أن هذا الرجل محدود الذكاء، ويسهل تغفيله والضحك عليه، خاصة وأن المحيطين به من الانتهازيين العرب عرفوا عقدته وشعوره بالنقص، فنفخوا في شخصيته بما يخدم جيوبهم، وأقنعوه أن بإمكانه أن يحقق ما يصبو إليه من أحلام، أقل ما يقال عنها إنها جنونية. أهل قطر، يدركون تمام الإدراك أن ممارسات حمد هذا هي ممارسات مجنونة، وغير مبررة، وليس بإمكانه إطلاقا الاستمرار في (طريق التحدي) الذي وضع نفسه وشعبه فيه إلى الأبد؛ لأن المملكة ومعها دول المقاطعة لا تخسر شيئا، في حين أن قطر تدفع لمقاومة انعكاسات المقاطعة الكثير والكثير جدا، ولا سيما أن استفزازاتها الإعلامية للمملكة ودول المقاطعة، لا تزيد الطين إلا بللا، ولا الأزمة إلا تعقيداً؛ ويستحيل عقلياً وموضوعياً أن تستمر بعنادها ومكابرتها وتصعيدها إلى الأبد؛ فوضعها الحالي أشبه ما يكون بوضع (صعاليك العرب)، الذين تمردوا على قيم القبيلة، فلفظتهم قبائلهم، وتبرأت منهم، فراحوا يجوبون الآفاق في محاولة بائسة يائسة لأن يجدوا من يتبناهم ويحتضنهم وينصرهم على قبائلهم التي تبرأت منهم، ونفتهم. وليس لدي أدنى شك أن الأمير (الصوري) الحالي تميم بن حمد، يدرك تماما ما أقول، ويعرف أن والده يراهن على قضية خاسرة لا محالة، وأن قطر بإمكاناتها الجيوسياسية المحدودة، والمحدودة جدا، لا يمكن أن تغير واقعها مهما ملكت من ثروات، فليس بالثروة وحدها يمكن أن تنتصر، وأنت لا تملك غير المال. وفي تقديري أن الأمير الحالي ينتظر وفاة والده على أحر من الجمر، ليستلم كل السلطات في يديه، ويعيد توجيه البوصلة إلى الوجهة الصحيحة، ويصلح كل ما أفسده والده. كما أن كل الأنباء القادمة من قطر، والتي يتداولها القطريون في مجالسهم الخاصة، يحملون حمد بن جاسم جزءا كبيرا من أوضاعهم المزرية التي وصلوا إليها. لذلك - كما يقولون - فإن أول قرار سيتخذه تميم بعد وفاة والده المعتل صحياً، القبض على حمد بن جاسم، ومحاكمته، وليس لدي أدنى شك أن خطوة شجاعة كهذه الخطوة، سيصفق لها القطريون، ويؤيدونها، فهذا الرجل مكروه من قبل الأوساط القطرية كراهية عميقة ومتجذرة. غير أن القرار الأصعب والأخطر الذي سيواجه تميم إذا ملك السلطة يتمحور حول كيفية التخلص من الإرث الإخواني المنتشر في قطر، ومواجهته، حيث سيطرته، وتحكمه في مفاصل المؤسسات القطرية حالياً؛ وهنا بيت القصيد. جماعة الإخوان تمكنوا خلال العقود الماضية من التسرب إلى أغلب طبقات المجتمع القطري، وصار لهم أتباع وأنصار، الأمر الذي سيجعل التخلص منهم واستعادة القرار القطري تكتنفه بعض الصعوبات الحقيقية التي (قد) لا يحلها إلا إراقة الدماء. كل ما أريد أن أقوله هنا إن وفاة الأمير الأب، عاجلا أم آجلا، ليس نهاية ورطة قطر، إذ ستبدأ صراعات جديدة، يقولون إن كوادر جماعة الإخوان في قطر قد بدأوا الاستعداد لها من الآن. إلى اللقاء