وقف ممسكاً بباب القاعة.. ملقياً نظرة مطولة على تلك المقاعد الخالية التي امتلأت بمحبيه ومريديه خلال محاضراته طوال السنة.. تذكر كيف بدأ.. فابتسم. وتذكر.. كيف انتهى.. فزادت ابتسامته اتساعاً. فموضوع محاضراته خلال هذه السنة لم يشابه أي موضوع سابق.. محاولاته لإيصال الفكرة لمحبيه الذين أرهقتهم التفاصيل، وأنهكهم التفكير في تفاوت مستوى صعوبة الموضوع، أقض مضاجعهم... هم يعلمون أنه سيصل بهم إلى النهاية المنطقية دوماً.. والوصول إلى المنطق دائماً مصدر سعادة وفرح.. عانى كثيراً وهو يحاول إثبات نظريته (أن القمة لا تتسع لاثنين).. وأن التفرد لا يرتضي أن يُقسَمَ على اثنين... تذكر كيف أن مِن خارج مدرجات قاعته.. تعالت أصوات التشكيك.. و دعوات الفشل.. ومحاولة تغليب اللامنطق على المنطق.. وكيف أثر كل ذلك على مريديه تساؤلاً لا جحوداً.. رغم ذلك استمر.. تدفعه سلامة منطقه.. وقوة حجته.. خسر العديد من أدواته التي توصله للنتيجة المنطقية بشكل أسرع.. ولكنه لم يمل. واجهته منغصات تقطع عليه حبل أفكاره.. وتقوي الرأي المضاد بحجج بالية.. و أدلة لا ترقى لحدود الاستشهاد .. ولكنه لم يمل. استمر في الشرح.. استفاض في التفاصيل.. استحضر قوته من أعين مريديه التي تكاد تصرخ: (نثق بك.. وستصل حتماً).. فكان له ما أراد.. وصل إلى المنطق.. إلى النتيجة التي أرادها.. فوقف كل محبيه وصفقوا له إجلالاً و إكباراً.. فلا شيء يقف في طريق الحقيقة و إن طالت الرحلة أو صعبت تفاصيلها.. محاضراته تم نشرها على الهواء مباشرة.. ورغم ذاك.. لم يستفد منها سوى مريديه.. أما معارضيه فاستعصت على أذهانهم كيف يكون للفرح موطن أساسي أصيل.. و إن تنقل هنا و هناك من باب التغيير لا التبديل.. لم يفهموا كيف أن قمة المجد لا يمكن الوصول إليها قفزاً.. بل يجب الارتقاء لها مجداً تلو مجد.. و ذهباً فوق ذهب.. كل ذلك لم يعنيه.. ابتسم مرة أخرى عندما تذكر كيف تحول توجس مريديه إلى فرح غامر.. وتعجب كيف أن مقدار الخوف لديهم على ضياع المنطق، أكبر بكثير من تحقيقه واقعاً.. فتمتم بينه و بين نفسه مستحضراً أبيات أبي الطيب: ألقى نظرة أخيرة.. أطفأ أنوار القاعة.. ثم استدار مبتعداً ومتسائلاً (رقم كم؟).. فتذكر أصوات مريديه وهم يرددون (يا هلال عزك عزنا.. و خل غيرك يعدّون)... ألف مبروك للزعماء الوصول للنتيجة المنطقية في منافسات الدوري للمرة الخامسة عشرة في تاريخ الهلال المرصع بالذهب.