المتابعُ للأطفال يلحظ بذْلهم لجهود كبيرة؛ حيث يتنقلون مِن مكان لمكان، ومِن لعبة للعبة ومِن قصة لقصة, أنشطةٌ متلاحِقةٌ وأنفاسٌ متتابعةٌ وكمياتٌ هائلة من الطاقة مستهلكة، ومع هذا لا يحققون إلا القليل! وهو أمرٌ متوقَّع بسبب غياب التركيز! وسيدركون مستقبلًا أنَّ من أهم قوانين النجاح هو: ما تركزُ عليه سوف تحصلُ عليه! في20يوليو 1969 هبط رواد الفضاء الأمريكيون بنجاح على سطح القمر، وقد عزَا مسئولو ناسا هذا النجاح للجهد الذي (سخرته) الوكالة لهذا الهدف! إنه التركيز! ونحن نعيشُ في زمن تكاثرَتْ فيه الاختياراتُ وتعاظمَت فيه الفرصُ؛ لذا لا غرابةَ إنْ وجدنا أغلبَ البشر يعيشُ في مستوى عالٍ من التردد والحيرة والتشتت بين عشراتِ الاتجاهات ونتاج هذا ضعف الإنجازات وفاتهم أنَّ لا نجاحَ بلا تركيز! في هذه الحياة الكثيرُ من البشر يريدون أنْ يسلكوا كلَّ الطرق في وقت واحد! والنتيجة لا طريقَ سُلك ولا هدفَ حُقق! والحكمة تقول: «إنْ طاردتَ أرنبيْن؛ فلن تظفر بواحد!». ويؤكد هذا الأديبُ (ويليام ماثيوس) بقوله: «موهبة واحدة مصقولة تعادل ألف موهبة ضحلة!»؛ فإنْ أردتَ أنْ تحقق أمرًا وتبدع في مجال؛ عليك أنْ تتنفسه وأنْ تجعله يأكل ويشرب معك! واتَّبِع نصيحة الحكيم القائلة: أينما تكُن فانشغل بكلِّ كيانك بغايتك! والتركيز يعني تكثيف الجهود وتوجيه الطاقات وتوحد الاهتمام! وأنْ تركز على ما يمكنك فعله؛ لا على ما لا يمكنك فعله! سُئل العداء الياباني الكبير (توشيهيكو سيك) كيف استطاع أنْ يسبق أعظمَ وأسرعَ العدَّائين؟ وما الخطة التي مكَّنَته من الفوز؟ قال: أجري (10كم) صباحًا و(20كم) مساء! وعندما قيل له إنها خطة بسيطة, قال نعم، ولكنني أنفِّذُها كلَّ يوم! لن تكون فريدَ زمانك، ولا قريعَ دهرِك إلا إذا عرفتَ كلَّ شيء من شيء! أيْ التخصص في فنِّ معين, والوصول لهذا المنال لا يكون إلا بتخصيص وقت يوميِّ له, يقول (بوب ريتشارد) وهو بطل أولمبيٌّ سابق في القفز بالزانة: يمكن لأيِّ شخص أنْ يبرع في أيِّ شيء إذا قضى فيه عشرة آلاف ساعة! إنَّ لدينا نفسَ القدْر مِن الوقت الذي كان متاحًا للصحابي (زيد بن ثابت) رضي الله عنه؛ لتعلُّم اللغة العبرية في (18) يومًا ونفس الوقت الذي أتيح (لابن عقيل) عندما ألَّفَ كتاب الفنون في (850) مجلدًا، و(لأديسون) عندما أهدى للبشرية (1093) اختَراعًا، ونفْس الوقت الذي تمكن فيه (محمد الفاتح) من وضع خطة عبقرية لفتح القسطنطينية (كان ينام على خرائط الحرب... قمة التركيز). إنَّ تعدُّد المحاولات وتبنّي فكرة التجربة والخطأ تضيع الجهود ويضيق بها العمرُ، وهي كما يقول (جون ماكسويل) هي وعدم المحاولة على الإطلاق سواء! لذا ركز إنْ أردتَ النجاح! وأحسبُ أنَّ هناك أمورًا تحول بيننا وبين التركيز على ما ينفعنا في حياتنا, التبرير للنفس بأننا لا نملك وقتًا كافيًا، ولا نجد المعينَ، وأنَّ لدينا مشكلاتٍ وهناك ما يشتت انتباهنا؛ وتلك أعذارٌ لا يجدرُ بها إيقافنا أو تشتييت انتباهنا، فلا ثمة إنسان يخلو منها! وتلك بعض الخطواتِ العملية التي تقوي ملكة التركيز لديك: 1. ركز على النتائج، فالبداياتُ صعبةٌ، فإنْ استغرقتَ فيها وشرعتَ في حفلة الرثاء للنفس، فلن تتقدمَ وستشعرُ بالتشتت. 2. باشِر الممكن، واحتفِ بالإنجازاتِ الصغيرة تخضع لك الكبيرة! 3. حدّد وجهتك بوضوح، ولا تلتفت للمغرياتِ والمعيقاتِ لا شيءَ سيعوقك إنْ فعلتَ هذا لمعانقة الإنجاز؛ فالعالم كل العالم سيُفْسِحُ لك الطريقَ لتحقيق هدفك؛ فقط حدِّد وجهتك وركز! 4. اعتنِ بمرافقة منعشي الأحلام وملهِمي الأرواح ومحفِّزي المواهب. 5. حدّد أولوياتك، وكن انتقائيًّا، وبدرجة عالية في اختيار ما يجبُ عليك فعله فالقائمة تطول والمهام عديدة. أيُّها العزيز هل تريد المال؟...ركِّز عليه هل تريد السمعة الطيبة؟....ركِّز عليها هل تريد الرشاقة؟.....ركِّز عليها هل تريد السعادة؟...ركِّز عليها لقد غفلَ الكثيرُ عن هذا السرِّ.. لكنه - يا عظيمُ - سرُّ الحياة الجميلة: ما تركز عليه تحصلُ عليه! ** **