إن القراءة في حروب الردة لترسخ في الأذهان جهاد الصحابة، وفضلهم، وحقهم على من بعدهم في ترسيخ دعائم الدين، وعدم التهاون في شيء من أركانه العظام. فكانت منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق، ومعه الخلفاء الثلاثة، وخالد بن الوليد، وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين. وتفصل مرويات حروب الردة في منطقة اليمامة في الوقائع العظيمة والجهد الذي بذله ثمامة بن اثال -رضي الله عنه- وبنو سحيم بن حنيفة في جهادهم لمسيلمة الكذاب ومَن تبعه. صدر للباحث الكريم/ راشد بن محمد العساكر تحقيق لمرويات عن حروب الردة، وقد أسماه: (سيرة بني حنيفة في حروب الردة). المخطوط كتبه/ سليمان بن سحيم المتوفى سنة 1181ه، وأعاد نسخه حمد بن حمد آل غيهب، وهو من رجال الدولة السعودية الأولى والثانية، ومتوفى بعد عام 1266ه. وظهر التحقيق في كتاب متوسط الحجم، يحوي 248 صفحة، قسَّمه المحقق إلى مباحث عدة: فالأول عن منهج المؤلف في تدوين السيرة، ودراسة مختصرة للأسانيد الأصلية للرواية، والمبحث الثاني عن بني حنيفة وفروعها وبلادها، والمبحث الثالث عن النسخ الخطية للكتاب، وسيرة جامع المرويات وناسخها، ثم تحقيق المخطوط. وفي نهاية الكتاب الصور، ثم المصادر والمراجع. يظهر المخطوط التعامل السلس، والبساطة في تناول ألفاظ اللغة العربية الفصيحة، فكان كاتب المخطوط يظهر شخصيته، وربما لهجته الخاصة في كتابتها، ويتضح هذا - على سبيل المثال - في كتابته سيف بن يربوع إلى سيف بن جربوع. ذكر المحقق أن مفهوم العارض خلال القرون الخمسة الماضية يطلق على جزء من جبل طويق، وذكر بيتًا لعمرو بن كلثوم: فأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصليتا فربما أراد المحقق أن يقول بإيراده هذا البيت أن العارض سمي بهذا؛ لاعتراض جبل طويق للمقبل على اليمامة. ويسمى العارض، وأحيانا العرض. وقد ذكر الأعشى هذا بقوله: ألم تر أن العرض أصبح بطنها نخيلاً وزرعًا نابتًا وفصافصا (ديوان الأعشى/ شرح وتعليق/ محمد حسين/ الناشر مكتبة الأداب بالجماميز) وذكر المحقق أن المؤرخ النسابة/ إبراهيم بن عيسى قد استفاد منها في مجموعه المخطوط، وحوت المخطوطة أسماء لم تكن معروفة -حسب علمي- كأمير بني قشير المسمى (عرار)، وكذلك فارس آخر منهم، يقال له (شماس بن جاسر)، والكثير من الأسماء التي تركها المحقق دون تعريف لها كالصبي! وعاصم العكلي، والأعور بن بشاقة! والأزرق، وكذلك سويس الذي يبدو أنه كان في صف المسلمين. يتبيَّن من كاتب المخطوط عدم معرفته بالشعر؛ فغالب الأشعار التي أوردها مكسورة الوزن، وبعض الأبيات كان من السهولة تصويبها كقوله: «دفاع سبيل» (186)؛ إذ يبدو أنها دفاع سيل؛ فبهذا يستوي معنى البيت، ويستقيم تشبيه الجيش بالسيل المندفع، وكذلك يعتدل الوزن. وقد بذل المحقق جهدًا في تحقيقه -كما عودنا- ولا بد أن هناك الكثير من النفائس التراثية ما زالت في المكاتب الخاصة والعامة، تنتظر الباحث الذي يثري بها نهم القارئ. ** ** تحقيق المؤرخ/ راشد العساكر 10/ 7/ 1439ه - رماح