عام على رحيل المؤرخ محمد القويعي، عام والمأثور التاريخي يتألم لفقده أحد رموزه، عام والمأثور الشعبي يئن من غياب أبرز عشاقه. ففي يوم 16 من جمادى الآخرة من العام 1418ه رحل عن عالمنا المؤرخ الباحث والكاتب محمد بن عبدالعزيز القويعي، بعد معاناة مع المرض لم يمهله كثيراً وسلم أمره لخالقه. كنت في مكتبي أقوم بأعمالي الروتينية اليومية، حينما تلقيت رسالة نصية من هاتفه النقال تخبرني برحيله عن عالمنا الفاني، وانتقاله إلى جوار ربه، رحمه الله رحمة واسعة. نسلم بقضاء الله لكن صدمة الفراق كانت كبيرة، نزلت علي كالصاعقة وألزمتني مكاني برهة من الزمن، حتى تمكنت من التماسك والتواصل مع الرفاق الذين جمعتنا وأبا سعد جلسات تراثية وتاريخية وثقافية. القويعي يعد أحد رموز هذا الوطن ومن خيرتها، عُرفَ مواطناً صالحاً محباً لوطنه وأرضه وتراثه. فهو قامة وطنية نادر في تخصصه وعمله، لم يكن أكاديمياً أو متخرجًا من إحدى الجامعات العريقة، أو متخصصا في علم التاريخ، أو التراث وغيره. بل كان هاويًا برتبة أكاديمي، حيث مارس هوايته بشغف في وقت مبكر بجمع التراثيات والمأثورات الشعبية وتأريخها منذ خمسة عقود مضت. فأصدر موسوعته التراثية (تراث الأجداد) في عدة أجزاء وأشرف على صفحات التراث بصحيفة الرياض، وقدم برنامجًا إذاعيًا عبر البرنامج العام بإذاعة الرياض كان له صدى كبير لدى المواطنين، كما مثل المملكة في مهرجانات متعددة، وتظل مشاركته الأبرز في معرض (المملكة بين الأمس واليوم) علامة من علامات حب الرجل لتراث بلاده، ولد أبو سعد بمدنية الرياض ونشأ وتربى فيها، وأحبها كما لم يحب أحد مدينته، فنشأ وترعرع فيها وشهد تحولاتها الكبرى، والمتسارعة، وأدرك بفطنته، بأن هذه التحولات الكبيرة ليس بمقدور أي فرد أو مجتمع تحمله، فلا تكون التحولات انقطاعًا بين الأمس واليوم، بين ماضي الأجداد وحاضرها، بين مستقبل هذه المدينة وباقي مدن المملكة وأبنائها الذين سوف ينشؤون في ظل حياة جديدة ومدن مختلفة، ومتطلبات مغايرة بشكل لا يتصوره العقل ولا التاريخ. حيث يكتب التاريخ لمدينة الرياض وباقي حواضر المملكة بأنها أسرع المدن نهوضاً وتطوراً من لا شيء إلى مدن حضارية غاية في التطور خلال مدة قصيرة بمقياس نشأة المدن وتطورها عبر تاريخ البشرية. فأسس القويعي متحفه الخاص بمنزله، وزوده بكافة مقتنياته الأثرية، من مختلف مناطق وأقاليم المملكة العربية السعودية, وكذلك بعضاً من دول الخليج العربي. فارتحل وسافر إلى بوادي وهواجر ومدن وقرى المملكة باحثاً ومستقصياً وجامعاً لكل ما تقع عليه يده وبصره. ولم يقف أمام مشروعه العظيم والوطني أي عائق أو عثرة. فكانت التضحيات كبيرة وجمة، لا تثنيه الصعاب، ولا تثبط عزائمه المثبطات. ** **