يتركز جهد أعداء أي بلد في قدح شرارة «الفوضى» بتضخيم أي ادعاء، وإثارة الاحتقان، وبذر الكراهية، وتكبير الصغائر، وتعظيم شأن القبيلة أو الإقليم أو الطائفة، والعزف على تجييش المشاعر الدينية إن كان ذلك مفيداً للفوضى، أو قلب الالتزام بقيم الدين إلى تطرف وإرهاب، وهكذا. هذا ما يستخدمه الإعلام الصفوي قبل أن تشتعل فوضى الربيع المزعوم وبعد أن كاد يعم الحريق المنطقة العربية وحتى هذه اللحظة. وهذا هو خط وسائل الإعلام الخمينية منذ عام 1979م ومن يدور في فلكها من الأتباع والموالي، ولنأخذ إعلام «حزب الشيطان» في ضاحية بيروت نموذجاً، فهو يشرف على عشرات القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، ويمول ويدعم عديداً من الصحف الورقية، ويشتري ذمم كتاب وإعلاميين، ومن خلال هذه الماكينة الإعلامية الهائلة يبث الأكاذيب ويروج الشائعات ويطلق الهاشتاقات ويصنع الذباب الإلكتروني بالآلاف من خلال غرف عمل متواصلة في بيروت، وتمتد إلى دمشق وبغداد وتركيا وطهران ولندنوقطر والبحرين وغيرها. لقد أنفق الكهنوت الصفوي الإيراني مليارات الدولارات في سبيل بناء ترسانة إعلامية أخطبوطية متعددة الأطراف واللغات ومتشعبة الأداء، واستخدم البعد «الطائفي» عمامة ارتداها للتلبيس على الغوغاء والجهلة بالعزف على وتر التمذهب وآل البيت، وما إلى ذلك من دعاوى لم تغب لعبتها على النابهين والواعين من الإيرانيين أنفسهم أو من الشيعة العرب. ولكنها وجدت أيضاً غوغاء ومنتفعين ومغفلين من الطائفيين العرب في ديار العرب أنفسهم؛ كما هي الحال في لبنان وسوريا واليمن والعراق وتركيا والبحرين، ووجدت أيضاً غير طائفيين؛ ولكنهم يلتقون مع إيران في تحقيق بعض الغايات البعيدة؛ كما هي حال تنظيم الحمدين في قطر الذي يتناغم إيقاعه بالتمام والكمال مع الإيقاع الإيراني؛ فيعزفان أوركسترا عدائية دامية واحدة. أصبحت الضاحية التي يحكمها حزب الشيطان في لبنان مرتعاً ومزاراً لكل طائفي وخائن، يأتون من لندن ومن أمريكا ومن اليمن لصناعة ندوات ومقابلات «تحليلية» كاذبة، ويوزع بثها داخل بيروت أو خارجها حسب توخي الفائدة المنتظرة، إما على قناة «المسيرة» أو «النبأ» أو «الميادين» أو الكوثر» أو «العالم» حسبما يناسب خطاب كل قناة. أما «الجزيرة» التي لا تكاد تختلف عن «العالم» كثيراً فلديها أسلوب آخر يبالغ في التذاكي الأخرق الذي انكشف سريعاً مع اشتعال الشرارة الأولى لفوضى الربيع المزعوم؛ فقد تجلى من خلال الجزيرة الدور القطري سياسياً ومالياً وإعلامياً في إشعال الحرائق بغرز كاميرات «مباشر» في كل ميدان وزقاق حتى في الحواري المغمورة بالقرى المصرية تأييداً لجماعة الإخوان المسلمين، ليس لإسلاميتها كما يزعم؛ بل لأنها أحد أذرعة الفوضى. ولا ريب وقد مرّت علينا سبع عجاف من الدمار والحروب والدماء تبين لنا الآن أن الموالي العرب من علاقة هذا العصر أشد خطراً علينا من صفويي الفرس.