أكثر كلمة تتردد على ألسنة المتحدثين باسم الدول الغربية هي «حقوق الإنسان» وما أقوى هذا المصطلح على الصمود بالرغم من تهشيمه والتلاعب به وتوظيفه في غير محله والعمل تحت غطائه بما ينافي مقتضياته. يا أيها العالم الأقوى والأشرس والأكثر تطورًا وتحضرًا ومدنية، يا أيها العادل المانح الحرية والمساواة والحقوق والديموقراطية مع نفسه فقط؛ كيف تستطيع جمع هذه الازدواجية في مواقفك؛ بحيث تكون جميلاً وحقوقيًا وإنسانيًا مع شعوبك وغاضًا بصرك مثقلاً سمعك كأنك أعشى وأصم عما يحدث في العالم من انتهاك بشع لقيم الإنسانية والعدالة في أماكن الصراعات وتحت نير الحكومات العنصرية والشعوبية والطائفية المستبدة، وكأنك لا ترى ولا تعلم -مثلاً- ما ترتكبه الطغمة العسكرية في ميانمار من إبادات جماعية وتعذيب واغتصاب وتهجير لأقلية «الروهينجا» المسلمة فلا تحرك ساكنا؛ بل منحت رئيسة وزرائها أونج سان سو تشي سيئة السمعة جائزة نوبل للسلام، أهديتها أيها الغرب العادل جائزة السلام والمحبة والأمن وهي تشرف مع عصابة العسكر على حرق قرى المسلمين وإغراقهم في البحار ومنعهم حتى من الهرب والنجاة، كأنك تكافئ المجرم على جريمته، حتى الجوائز العالمية التي شرعت للتكفير عن الخطايا استخدمتها لتكريس مزيد من الخطايا ولتعميق الانقسامات وتأجيج حالة الفوضى وتمكين من يحقق ذلك كما فعلت مع عميلة مخطط «الفوضى الخلاقة» توكل كرمان التي أهديت إليها جائزة نوبل للسلام وهي من أججت وأضرمت النار في استقرار وأمن وسلام اليمن. يا أيتها العدالة والإنسانية أين أنت من شعاراتك الكبيرة وضجيج الدعايات الإعلامية الضخمة التي لا نرى إلا نقيضها في العوالم التي تنهشها الصراعات والحروب، وكأن شعار «حقوق الإنسان» وجوائز السلام هما الغطاءان اللذان يستران ما يحدث خلفهما من انتهاكات وتنفيذ أجندات وتحقيق مطامع وشهوات سياسية وأيدلوجية وشعوبية. لا يرى الغرب الإنساني العادل -بين شعوبه فقط- المظالم والإجرام والبشاعات والدماء والسجون فوق الأرض وتحت الأرض التي تغص بعشرات الآلاف ممن سيقوا كالأغنام إلى المسالخ البشرية في سوريا، هناك أيها الغرب الإنساني في ديار العرب قطعة من جهنم تسمى «سوريا» يحكمها شيطان، ليست كأية بقعة وليس كأي حاكم؛ وأنت تعلم التفاصيل الدقيقة في الأقبية المظلمة، ولكنك لا تريد أن تعلم، بل تتجاهل وتدعم بقاء الدكتاتور في دمشق كما في إيران؛ حيث المشانق التي تعلق بصفة شبه يومية لكل حر شريف يطالب بحقوقه المشروعة في العيش بكرامة على أرضه من كل الشعوب الإيرانية التي أراد الكهنوت الحاكم أن يخضعها لجبروته بالحديد والنار والتعذيب والسجون والمشانق؛ ولكنك لا تريد أن ترى ولا تعلم! ولا تريد أن ترى ما ترتكبه العصابة الحوثية في اليمن ولا عشرات الآلاف ممن يقادون بدون أدنى جريرة إلى سجون أردوغان في تركيا، ولا جنايات إسرائيل اليومية المتوحشة في الشعب الفلسطيني! لكنك أيها الغرب الإنساني ترى بعينين مفتوحتين شرهتين للتشهير والمآخذة من تريد إسقاطه والقضاء عليه.