عندما أصف سعودة محلات التجزئة بالحلم فإن هذا الوصف لم يأت من فراغ, فمن جهة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ونحن نكتب ونطالب تلك المحلات دون جدوى, ومن جهة أخرى, فإن سعودة تلك المحلات سيترتب عليه توفير الملايين من فرص العمل لشباب وفتيات الوطن. أعلنت وزارة العمل مؤخراً عن عزمها على قصر العمل في اثني عشر منفذاً من منافذ البيع في محلات التجزئة على السعوديين والسعوديات وذلك ابتداء من بداية العام الهجري القادم 1440ه, وتشمل منافذ البيع تلك كل من محلات الساعات ومحلات النظارات ومحلات الأجهزة والمعدات الطبية ومحلات الأجهزة الكهربائية والالكترونية ومحلات قطع غيار السيارات ومحلات مواد البناء والإعمار ومحلات السيارات والدراجات النارية ومحلات الأثاث المنزلي والمكتبي الجاهزة ومحلات الملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية ومحلات الأواني المنزلية وكذلك منافذ البيع في محلات الحلويات. وأنا أقرأ هذا الخبر, انتابني شعور بالفرحة, لأنني أعلم أن تطبيق هذا القرار سيعني إيجاد الملايين من فرص عمل للمواطنين والمواطنات, إذا ما علمنا بأن أعداد العمالة الأجنبية الموجودة في المملكة والتي يزيد عددها عن اثني عشر مليون عامل أجنبي. ما يثلج الصدر هنا هو أن إحلال المواطن والمواطنة في تلك الأنشطة لا يحتاج مؤهلات جامعية وإنما يكفي أن يحصل الشاب أو الشابة على التدريب اللازم للعمل في تلك المحلات من خلال دورات أو دبلومات يمكن أن تقدمها مراكز التدريب, والكليات التطبيقية في الجامعات وهذا يجعلنا ننادي بأهمية الاستعجال في التوسع في إنشاء الكليات والجامعات التطبيقية في مختلف مناطق المملكة, والتي ستركز على هذا النوع من الدبلومات القصيرة. ما يثلج الصدر أيضاً هو وجود الآلاف من الشباب والشابات المؤهلين لشغل الوظائف المتوفرة في تلك الأنشطة الاثني عشر, فالجامعات لدينا وصل عددها الأربعين تقريباً بعد أن كانت سبع جامعات, وتركز الجامعات في الوقت الحاضر على المهارات التي يتطلبها سوق العمل. ومما يثلج الصدر أيضاً وجود عشرات الآلاف من الشباب والشابات من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين, ممن يجيدون عددا من المهارات التي يتطلبها العمل في تلك الأنشطة الاثني عشر, ومن تلك المهارات إجادة اللغة الانجليزية والقدرة على استخدام الحاسب ومعرفة الكثير من أسس أخلاقيات العمل والتي تعلموها في الجامعات الأجنبية التي تخرجوا منها. ومما يثلج الصدر أن رؤية المملكة 2030 جاءت داعمة لتوجه وزارة العمل الرامي إلى إحلال السعوديين والسعوديات للعمل في تلك الأنشطة التجارية الاثني عشر بدلاً من العمالة الأجنبية, حيث جاءت الرؤية مؤكدة على عدد من الأهداف الداعمة لتوطين سوق العمل, ومن تلك الأهداف تأكيد الرؤية على تهيئة الشباب لدخول سوق العمل وكذلك على زيادة مشاركة المرأة في بناء التنمية السعودية من خلال إتاحة المزيد من فرص العمل لها, كما أكدت الرؤية على أهمية موائمة مخرجات المؤسسات التعليمية مع حاجة السوق, وأكدت الرؤية أيضاً على زيادة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وإتاحة العمل فيها للمواطنين, هذا بالإضافة إلى تأكيد الرؤية على تمكين المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة للعمل وكذلك زيادة مساهمة الأسر المنتجة في الاقتصاد. إلا أن ما يدعونا للقلق هنا, مدى جدية وزارة العمل هذه المرة في تطبيق سعودة منافذ البيع في جميع أنشطة التجزئة التجارية التي أعلنت عنها الوزارة, خاصة وأن الوزارة ومنذ سنوات وهي تعلن عزمها على سعودة أنشطة التجزئة التجارية, إلا أننا لم نر سوى القليل على أرض الواقع. وحتى تنجح وزارة العمل في ترجمة رؤية المملكة فيما يتعلق بسعودة قطاع التجزئة بجميع أنشطته التجارية, أعتقد بأن على الوزارة أن تُلزم جميع أصحاب محلات التجزئة بأن لا يتجاوز عدد ساعات العمل فيها عن ثماني ساعات, وأن يتم إلزامها بمنح العاملين فيها إجازة أسبوعية لمدة يومين, إضافة إلى تحديد الحدود الدنيا للرواتب والمكافآت المناسبة للسعوديين العاملين في تلك المحلات, خاصة وأن صندوق تنمية الموارد البشرية يتحمل 50% من تلك المكافآت.