صدر حديثاً كتاب: «سنوات الجوف: ذكريات جيل»، من تأليف الدكتور عبد الواحد بن خالد الحميد، الكاتب في صحيفة الجزيرة، من إصدارات ( مركز عبد الرحمن السديري الثقافي)، 2017م، في خمس عشرة وثلاثمئة صفحة من القطع الكبير، متضمنا (15) فصلا، استهلها الحميد بمقدمة بعنوان: سنوات الجوف، التي تعاقبت بعدها عناوين فصول الكتاب على النحو التالي: في حارة الشعب؛ تلك الضاحية، أمنا وليالينا الجميلة، صخب الحياة في سوق البحر، أم الدنيا.. والحداثة المبكرة، كم كانوا يضربوننا..!؛ حيث يتحرر الصبي، الرياض أم الدنيا.. وأبوها؛ اكتشاف الذات، الصحافة، سحر القراءة، هذا ما كان يشغلنا، الأمير، بقية المشوار، تعلمت من سنوات الجوف و.. ما بعدها. يقول الحميد عن إصداره: ما ترويه هذه الأسطر، لا أعده ذكريات شخصية تخص فردا واحدا من الناس، بقدر ما هي محاولة لتسجيل ذكريات الجيل الذي ولد في الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين في حي من أحياء مدينة سكاكا بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية، وعاش طفولته ومراهقته في عقدي الخمسينيات والستينيات بكل ما في تلك الحقبة من صخب وتحولات اجتماعية جذرية؛ تلك البيئة الصغيرة المحدودة التي تبدو للوهلة الأولى، كما لو أنها كانت تعيش على هامش الأحداث وغير موجودة على الخريطة، بينما هي كانت في الواقع تعج بالأحداث التي تعكس ما كان يجري في الوطن من تحولات، وما كان يفور به العالم العربي من أحداث، وثورات، وآمال، وإحباطات؛ فهذه السطور ربما لن تهم إلا قلة من الناس الذين عايشوا تلك الأحداث في طفولتهم البعيدة، وقد تهم أيضا بعض المعنيين بمعرفة الخلفية الاجتماعية لحقبة تاريخية محددة كما تصورها واختزنها خيال طفل عاش في حي من أحياء سكاكا؛ فهي تركز بالدرجة الأولى على تلك الخلفية الاجتماعية بصرف النظر عن أسماء الأشخاص، وهي لا تدعي لنفسها الدقة، ولا تؤرخ لإنجازات ونجاحات، أو لحالات من الفشل لأشخاص معينين. ومضى الحميد في وصف فضاءات إصداره قائلا: صفحات هذا الكتاب هي تسجيل لذكريات ذلك الجيل في فترة زمنية محددة، في تلك البقعة الطيبة الجميلة سكاكا – الجوف؛ وأعترف منذ البداية أن تفاصيل كثيرة لا يتسع المجال للخوض فيها، وتفاصيل أخرى لا يمكن روايتها، ففي فمي ماء، «وهل ينطق من في فيه ماء؟!» كما قال الشاعر، كما وقفت طويلا وترددت في اختيار الصور والقصاصات التي ضمنتها الكتاب، وخصوصا الصور الشخصية، وهي مثل بعض الوقائع التي ذكرتها قد لا تعني شيئا لبعض القراء، لكنها تؤطر الفترة الزمنية لهذه الذكريات، وربما تعني الشيء الكثير للشريحة التي يتوجه إليها الكتاب مباشرة، وهي تلك التي ترتبط قليلا أو كثيرا ببعض ما ورد فيه، وقد تركت الكثير مما يحتويه أرشيفي من الصور رغم اقتناعي بأن الصورة الواحدة قد تقول الكثير وبما يتجاوز ما تتضمنه صفحات كثيرة من الكتاب. هكذا يضعنا الحميد أمام رؤيته في تأليف الكتاب، والرسالة التي أراد من خلالها أن يقدم عبر صفحات هذا الإصدار النوعي الكثير من الأهداف، التي وإن لم يتغن بها، ولم يفاخر بعمق معانيها، ولا بأهمية ما دونه لكل من أراد استقراء حقبة زمنية من ذاكرتنا الوطنية، عبر قلم من أقلام أبنائه المخلصين الذين احترفوا مضمار الحرف، ومسيرة الكلمة، ما يجعل من هذا الإصدار سفرا هاما في معناها، وقيما في مبناه، لأسباب يأتي في مقدمتها المدة الزمنية التي رصدها المؤلف في هذا الكتاب، برؤية اجتمع إلى مدادها بصر الفكرة، وبصيرة الكاتب، الذي صاغ فصول كتابه بأسلوب ينساب عذوبة، تتداخل بأسلوب سهل ممتع ممتنع، يرصد حركة الزمان ومسيرة الإنسان وعمق وعبق المكان، ما يجعلك أمام (رواية سيرية)، وإن شئت فلك أن تصف كل فصل بقصة ما يضعك أمام (مجموعة قصصية)، صاغها الحميد بأسلوب آسر، وشاحه الأدب، ومداده الموضوعية والحيادية والمصداقية، وفضاؤه سماوات الوطن بما حواه من تحولات في مختلف جوانب الحياة، التي أطل عليها الحميد من أهرام مختلفة عبر مسيرته العملية، التي تزيد من عمق ما عرضه في ثنايا كتابه، وأهمية ما دونه برؤية الكاتب، وتأمل الناقد، وحس الصحفي، وحصافة الباحث عن كل فكرة وكلمة وعبارة، ليقدمها بين يدي القراء في سبك متقن، وحلة معرفية نفيسة، ومرجعاً علمياً للمهتمين بالدراسات الاجتماعية والتاريخية وللباحثين في ذاكرة مشهدنا الوطني بمختلف جوانبه.