كتاب "سنواتُ الجوف ذكرياتُ جيل" تسجلُ لنا ذكريات شخص ولد في الخمسينات الميلادية من القرن العشرين بحيًّ من أحياء مدينة سكاكا في مملكتنا الحبيبة، للكاتب د. عبدالواحد بن خالد الحميد، والذي عاش طفولته ومراهقته في عقدي الخمسينات والستينات، بكل ما في تلك الحقبة من صخب وتحوّلات اجتماعية جذرية، تلك البيئة الصغيرة المحدودة، التي تبدو للوهلة الأولى، كما لو أنها كانت تعيش على هامش الأحداث وغير موجودة على الخريطة، بينما هي في الواقع تعجُّ بالأحداث التي تعكس ما كان يجري في الوطن من تحوّلات. لقد فُتن منذ وقت مبكر بقراءة مذاكرات الرحَالة الغربيين الذين مرّوا على منطقة الجوف في القرن التاسع عشر، وسجلوا مشاهداتهم خلال تلك الحقبة. والآن وبعد هذه السنوات التي عاشها الكاتب بعيداً عن منطقته، لكنه لم ينقطع عنها أبداً كل عام ليعيد ذكريات لا تنسى هناك. يقول الحميد في كتابه: "خرجت إلى الشارع تتعثر خطواتي، كان الطبيب على حق عندما قال لوالدي يجب أن أستخدم النظارة بالتدريج حتى أتعوّد عليها. كان شعوري غريباً يصعب وصفه حين وضعت النظارات الطبية لأول مرة على عينَّي فتفاجأت بصفاء الدنيا من حولي، بشكل لم أكن أعرفه من قبل، لقد اكتشفت أنني كنت أعيش في عالم "مُغبش" متصوراً أن الدنيا خُلقت هكذا، وأن جميع الناس يرون الدنيا على تلك الصورة. كان ذلك شعور الفتى الريفي القادم من الشمال وهو يضع النظارة الطبية على عينيه وينطلق بها في شوارع الرياض مبحراً في عالمها الفسيح المدهش". ظل الدكتور عبدالواحد وفياً لذكرياته التي رغب أن يودعها هذا الكتاب التي تحضر فيه ذاكرة المكان والزمان، وتكمل اللوحة فيها الأحداث التي عاصرها مع أترابه خلال مسيرة زاخرة بجمال حكايات صارت تمثل تراثاً وثقافة وذاكرة تُحرض على التدوين ومتعة التأمل والقراءة. Your browser does not support the video tag.