لست ذا سبق في الحديث عن ظاهرة طغيان الألفاظ الأعجمية على ألسنة فئام من العرب، فقد سبقني في هذا غيورون كثيرون، وها أنذا أتشبّه بهم؛ فالتشبّه بهؤلاء فلاح. تشمئز أسماعنا مما تلفظه بعض الألسنة التي تساوى عندها المعروف من الألفاظ والمنكر منها، فأصبحت لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، بل ربما عرفت المنكر منها وألِفَته حتى أنكرت المعروف منها! وهذا من انتكاس الفطرة اللغوية - والعياذ بالله -. قد لا يروق لبعضهم ما أدعو إليه هنا، ولا أستبعد أن أرمى بالتطرف اللغوي - إن صحّ الوصف -، مع أنني أحسبني أدعو إلى الوسطية في ذلك؛ فأنا لا أنادي بأن نستخدم في الأحاديث والمكاتبات (الحيزبون، الدردبيس، العطلبيس ... إلخ)، ونحوها من الألفاظ الوعرة التي يُخشى أن ينزف منها اللسان، كما أنني أستهجن استخدام (قروب، أوكي، مترو، هاشتاق، مول ... إلخ)، وغيرها من الألفاظ الأعجمية خوفًا على اللسان العربي من موت إحساسه، ف (كلا طَرَفَيْ قصد الأمور ذميمُ). لا أعرف سرَّ ذلك المتحدث الذي يُقحم بعض المفردات غير العربية - دون ضرورة - في أثناء حديثه؛ هل يريد أن يُفهِمني برطانته أو يريد أن يوهِمني بثقافته؟ لكني أعرف قدر جهله ونقصه عندما جَهَر بغباوته! وليته يدرك أن كلماته تلك لكماتٌ تدمي مسمع الغيور وإحساسه - ولست والله مبالغًا فيما أقول -. إن استخدام هذه الألفاظ الأعجمية ونحوها يخفض العربية ويرفع غيرها، وليس هذا العمل عملًا نحويًّا على غرار (كان وأخواتها)، وإنما هو عملٌ يتعلق بالهويّة، ويهوي بها في مهاوي الردى. يحتاج كثيرون منا إلى تربية ألسنتهم وأيديهم تربية ذاتية، وأطرها على نطق الألفاظ العربية وكتابتها أطرًا؛ حتى يستقيم لسانه ويده ولا يَعْوَجّا.