في لحظاته الإلهامية الشعرية المختلفة، أخذ ورقات وقّع عليها اسمه ليغزِل كلماته و يزرع حديقة ورد لأجل ملامح فاتنة، أو ليفجر غضبا و يضبط اهتزاز أبياته على إيقاع زلازل السياسة المتقلبة لاسيما في سنوات صعود العسكر، أو ليهدي صديقه مدحا أو عتابا بحسب مزاج اللحظة و توقيت الموقف، لتتراكَمَ نهرا ثالثا في تاريخ ذاكرة العراق تماما كما عنونت ابنته الدكتورة خيال في كتابها : « النهر الثالث « الذي ضم شهادات وحكايا عنه استحقها؛ لأنه باختصار روَى ظمأ الذوق اتجاه الشعر الكلاسيكي العربي الفصيح، و مهمة الاختصار في حضرة اسمه مستحيلة ؛ لكن الإشارة إليه من بعيد أو من قريب فإن تفاصيل الإبداع و الحكمة الإنسانية العميقة تحضر طوعا بجوار اسمه في ذاكرة القارئ. في بعض أحوال واقع اليوم لاسيما السياسي والاجتماعي منه، دلالات و ملامح أشار إليها في بعض أبياته التي لم تأخذ صيتا وضجيجا حولها و لم يبثها التلفزيون -أيام مجده العتيقة - العربي عبر برامجه الثقافية لاسيما التي شارك فيها ، يظن القارئ بأنها عابرة كتبت لأجل مواقف و مناسبات صغيرة في ذلك الوقت ؛ لكن الزمن أكسبها أهمية ، نفهم منها أكثر جذور واقع اليوم من مرايا القافية الثابتة المُوثّقة في روحها الحدث و لم تتغير بتغير مرور الزمن. لم يبق من خيوط عمامة صباه الممتدة في أعماق إرثه العائلي، سوى قبعة الشعر التي لا تزال في قمة رأس ذاكرتنا الشعرية الكلاسيكية في العصر الحديث. كتب أبياتا لتستقر في أعماق المستقبل صالحة لكل زمن و لنفهم هذه الدنيا : فالدنيا تجري كما أراد لها المولى عزّ وجل من أحداث وأقدار لا يدرك حكمتها إلا الله سبحانه وتعالى، ويتبع تلك الأحداث آراء وتحليلات وكلّ يفسّرها حسب منطلقاته ورؤاه ومعتقداته الفكرية. ثمّ يخبرنا في البيت التالي بأنَه : ليس فقط ذلك المحلل الذي لم ينفك من قيوده الفكرية في قراءته للأحداث؛ بل حتى الفلاسفة الأحرار الذين هم أعلى مرتبة في الإدراك العقلي لأمور الدنيا يكونون جهلاء عن الغد مهما قدموا من قراءات وإشارات وملامح لذلك الغد الذي لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ. إمضاء محمد مهدي الجواهري ( 1899م-1997م) : وقّع على لحظات إلهامهِ؛ ليكون نهرا عذبا في جغرافيا اللغة. ** **