التحول الجذري الذي طرأ على الوعي بأدبيات التنمية حولها من مجرد تحقيق أهداف اقتصادية وتنموية شاملة إلى رؤية مستدامة لتحقيق أفضل النتائج من خلال استغلال أمثل للموارد، والحقيقة إن المملكة العربية السعودية اليوم تعمل على مشروع تنمية مستدام لافت، أصبح ظاهرًا وملموسًا في غراسه الأولي للقاصي والداني، هذا المشروع الإصلاحي الاقتصادي التنموي الذي تقوده رؤية 2030 يستهدف تحقيق كفاءة استخدام الموارد وإصلاح تشوهات الاقتصاد ولعل قطاع الطاقة يمثل فيه العصب الأقوى وخطوة الإصلاح الأهم. فالمملكة الآن تمثل المستهلك الرابع الأكبر للنفط في العالم وقد لا يكون ذلك إشكالاً إلا حين نعلم أن ترتيبنا في الاقتصاد العالمي لا يماثل هذا الترتيب في الاستهلاك ما يعني أن جل هذا الاستهلاك يتجه إلى مجالات لا تحقق كفاءة الإنتاج، فالمملكة تستهلك يومياً ما يقارب 800 ألف برميل يمثل قطاع النقل في مجمل الاستهلاك 23 %، الأمر الذي يطرح وبإلحاح أهمية وسرعة الإصلاحات التي تعالج ارتفاع هذا الاستهلاك وترشيده خصوصًا وأن الدعم الذي يكلف المالية العامة عبئًا كبيرًا لا يتجه في هذا القطاع للمستهلك المستحق، وإنما تستفيد منه شرائح ميسورة وبشكل أكبر، ولذا فإن حساب المواطن ومن خلال الدعم الذكي سيعيد مع إصلاح قطاع الطاقة توزيع الدعم إلى المستحقين الحقيقيين بما يحقق الكفاءة في استهلاك الطاقة أولاً وفِي إنفاق الدعم ثانيًا. قد يتساءل من هم بعيدون عن تفاصيل الاقتصاد حول السبب وراء دعوات الكثير من الاقتصاديين لسرعة هذا الإصلاح والحقيقة وبكل بساطة إن الحكومات اليوم تتعاظم على مالياتها مسؤوليات الإنفاق ومشاريع التنمية والبنية التحتية وكل إصلاح يستهدف إيقاف الهدر وتوجيه الدعم بما يحقق الكفاءة سيعزز من جهود الحكومات في دعم مسار التنمية الذي يستهدف رفاه الإنسان من خلال اقتصاد إنتاجي تنافسي وفاعل، ولا بد من التأكيد أن المملكة العربية السعودية ومع أهمية هذه الإصلاحات ستظل الأقل في مستوى الأسعار بين دول الخليج.