للإنترنت منافع كبيرة، لكن هل تفكّرتَ من قبل في مضارها؟ لا أقصد أشياء واضحة مثل تضييع الوقت، لكن أقصد أشياء مُقلقة كما أتى في كتاب «المياه الضحلة» الذي يفصّل من أبحاث ودراسات علمية التأثيرات السلبية للانترنت على أدمغتنا وتفكيرنا. استخدامنا للانترنت يحوي عدة تناقضات ظاهرية لكن أكبرها والتي سيكون لها أعظم تأثير بعيد المدى في كيفية تفكيرنا هو هذا: إن الانترنت تستحوذ على انتباهنا وتمسكه فقط من أجل أن تشتته! إننا نركز بشدة على الوسط نفسه، الشاشة المومضة، لكننا نتشتت بسبب ما يفعله هذا الوسط من إرسال أشياء بسرعة ملتهبة تتنافس على انتباهك. كلما دخلنا قدَّمت لنا الانترنت وليمة تسيل اللعاب، وعكس تأثير المشي البطيء للكلمات المطبوعة على الصفحات والتي تطفئ شهوتنا لأن نكون مغمورين في التشويق الذهني فإن الانترنت تطلق لنا العنان هنا كسيارة سباق، تعطينا تشتيتات أكبر بكثير مما اضطر أجدادنا للتعامل معه. ليست كل التشتيتات سيئة، كما نعلم بالتجربة أننا إذا ركزنا على مشكلة صعبة فإننا نَعْلق ويضيق التفكير ونحاول بلا جدوى الإتيان بأفكار جديدة، لكن إذا تركنا المشكلة إلى اليوم التالي ونحن نفكر فيها فإننا عادة نعود لها بمنظور جديد وبشعلة من الإبداع. أظهرت أبحاث عالم نفس هولندي أن مثل تلك فترات الراحة لانتباهنا تعطي عقلنا الباطن فرصة للتعامل مع المشكلة. العقل الباطن يستخدم معلومات وعمليات ذهنية ليست متوفرة للواعي، عادة يتخذ قرارات أفضل – كما أظهرت الأبحاث – إذا وجهنا انتباهنا بعيداً عن مشكلة صعبة، لكن نفس الأبحاث أظهرت أن التفكير غير الواعي لن يتعامل مع المشكلة إلا إذا كان هناك هدف واضح معرّف، وهنا يأتي الضرر: إن التشتيت المستمر لعقلك وتفكيرك الذي تشجعه الانترنت يختلف جداً عن النوع المؤقت والمقصود من التلهية لعقلنا الذي ينعش تفكيرنا إذا فكرنا في قرار. تأمل في هذا كلما امتدت يدك كل عدة دقائق إلى جوالك لكي تتصفح الإيميل أو برامج المحادثة، تجدها تنتزعك من دراستك أو عملك أو قراءتك أو محادثتك مع الناس. تشتيت تشتيت تشتيت!