رغم أن شبكة الاتصالات الدولية «الإنترنت» ظلت موجودة منذ 20 عاما فقط، إلا أنه من الصعب تصور الحياة من دونها بعد أن سهلت لنا الحصول الفوري على كميات هائلة من المعلومات وأصبحنا قادرين على الاتصال مع الأصدقاء والزملاء بشكل شبه دائم. ولكن للاعتماد على الإنترنت جانب مظلم في حياة مستخدمي الكمبيوتر لتصفح الشبكة الدولية، إذ تشير أدلة علمية متزايدة وأبحاث نفسية وسلوكية حديثة إلى أن الإنترنت بتشتيتها الانتباه ومقاطعة التفكير، تحولنا إلى أناس سطحيين ينقصنا التفكير. لقد تمعنت هذا الأمر وقمت بدراسته على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، في سياق إعداد كتابي الجديد بعنوان المياه الضحلة: كيف غيرت الإنترنت الطريقة التي نفكر بها، اقرأ وتذكر. ولم يكن اهتمامي بهذا الموضوع بالنواحي الأكاديمية وحدها، بل هناك النواحي الشخصية بعد أن شعرت بأنني أفقد القدرة على التركيز والتفكير العميق والتأمل. وحتى عندما أكون بعيدا عن جهاز الكمبيوتر، كنت أشعر بتشتت الانتباه وكأنما ذهني في حالة عطش للمعلومات السريعة. ومن هنا كان الدافع لإعداد الكتاب. وبعد البحث في الدراسات العلمية والنفسية حول هذا الموضوع، توصلت إلى استنتاجات مثيرة للقلق والحيرة والدهشة. إذ تشير الدراسات إلى أن من يقرؤون نصا مليئا بالروابط، يستوعبون أقل بكثير ممن يقرؤون نصا مطبوعا على الورق. ومن يشاهدون عروضا مطعمة بالصوت والصورة، يتذكرون أقل بكثير ممن يتلقون المعلومات بطريقة أكثر تركيزا وأقل بهرجة. كما أن من يتشتت انتباههم دوما برسائل البريد الإلكتروني والتحديثات والرسائل المتعددة، يفهمون أقل بكثير ممن يمكنهم التركيز على ما يتلقون. ومن يتعاملون مع مهام متعددة أقل إبداعا وأقل انتاجية ممن يركزون على أمر واحد. والسبب، حسب خلاصة الدراسات العلمية أن الإنترنت تجعل مستخدمها يفتقد العامل الأساسي في التفكير وهو الربط بين ما يتلقاه وما ترسخ في الذاكرة من معرفة. ويعتمد غنى التفكير والذاكرة والشخصية عامة على قدرة الذهن على التركيز. وأخيرا: هل أدركتم كيف تحولنا الإنترنت إلى أغبياء؟