الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    حديقة ثلجية    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أبا الخيل: الحجُّ شعيرة من شعائر الإسلام ودعامة من دعائمه.. وهو مؤتمر إسلامي عالمي لجميع المسلمين في أنحاء العالم كلِّه
الشيخ د. أبا الخيل يصدر كتابه «الحج حِكَم وأَحكام ومَقاصد»

شرع الله سبحانه وتعالى الحج لحِكَم ومقاصد عظيمة، تتجلى أهميتها وتمامها في هذه الشعيرة الراسخة التي تمثل الركن الخامس من أركان الإسلام. ولما لهذه العبادة من أهمية ومكانة شرعية فقد اهتم علماء الأمة الراسخون ببيان أحكام الحج وما جاء فيه من توجيهات ربانية، وحِكَم عظيمة.. فالمسلمون في شتى أقطار العالم بحاجةٍ إلى بيان هذه الأَحكام والحِكم بأسلوب شرعي تأصيلي، يوصل إليهم المعلومة الشرعية والعلمية بأيسر الطرق وأكثرها سلاسة ومواءمة. ومن أبرز هذه الكتب وأكثرها أهمية كتاب: «الحج حِكم وأَحكام ومَقاصد»؛ إذ يبين هذا الإصدار العلمي ما جاء في الكتاب الحكيم والسُّنة النبوية المطهرة من أحكام ومبادئ شرعية. يقول مؤلف الكتاب العلامة معالي الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل، عضو هيئة كبار العلماء مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرئيس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، في مقدمة هذا الإصدار: «فإنَّ الحجَّ رافدٌ من روافد العقيدة، وركنٌ من أركان الإسلام، فرضه الله على المستطيع من عباده المسلمين، قال الله - تعالى -: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ * وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا * وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا * وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. والآية صريحة في بيان وجوب الحج على المستطيع الذي يملك زاده وراحلته، أو الذي يمتلك ما يستطيع به أداءَ مناسكِ الحجِّ، كما أن الآية فيها إشارةٌ إلى أن من يجحد فريضةَ الحجِّ فهو كافرٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ وَمَنْ جَحَد فَرِيضَةَ الْحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يَأيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُم الحَجَّ». فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا، لَوَجَبَتْ، ولَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْمَلُوا بِهَا؛ الحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ».
والحجُّ شعيرة من شعائر الإسلام، ودعامة من دعائمه، وهو مؤتمر إسلامي عالمي لجميع المسلمين في أنحاء العالم كلِّه، والحجُّ له أحكامٌ وفيه حِكَمٌ، نسأل اللهَ - عز وجل- أن يفقهنا أحكامه، وأن يرزقنا التمتع بحِكَمه».
ويقع هذا الكتاب التأصيلي الشرعي في مئتين وسبع عشرة صفحة، ويضم مباحث تفصيلية تتجاوز المئة، تناقش موضوعات مهمة، تتصل بهذا الركن الخامس، وهي: «فضل مكة والمسجد الحرام، مكة وبكة: المعنى والاسم، أسماء مكة، مهوى أفئدة المسلمين، مكة قبلة المسلمين، مضاعفة العمل فيها حسنات أو سيئات، المحاسبة على النية السيئة في هذا المكان تعظيماً له، مكان الأمن والأمان، مكة بلد حرام له حرمة ليست لغيره، أسباب تميز البلد الحرام وواجبنا نحوه، أحب الأعمال إلى الله في هذه العشر، تنوع فضائل العشر من ذي الحجة، أيام كمل فيها الدين، أيام فيها يوم عرفة، أيام فيها يوم النحر، تنوع الأعمال الصالحة في هذه العشر، التكبير في الحج «أنواع وأوقاته»، الحج: مفهومه والاستعداد له، مفهوم الحج، سبل الاستعداد للحج، خير الزاد التقوى، سبل الاستعداد للحج، وصايا جامعة للحاج والمعتمر، أهمية الحج وأثره على المسلم، الحج أحد أركان الإسلام، منافع وفوائد الحج، أثر الحج في سلوك المسلم، أثر الحج في زيادة الإيمان، متى يكون الحج مبروراً للحاج؟ علامة الحج المبرور، من حكم الحج ومقاصده وأسراره ومظاهر التوحيد فيه، بيت الله الحرام أفضل البقاع وأشرفها، ضمان للرزق وأمان من الخوف، علاقة التوحيد بالبيت العتيق وأيضاً بالحج، هدم الإسلام لكل صور الشرك، أحجار الكعبة لا تنفع ولا تضر، لا يتعلق قلبك إلا بالله، حكم الحج، الحج يحقق الوحدة والمساواة بين المسلمين، الحج يحقق التقوى، الحج فيه تمام الابتلاء وكمال الامتحان، الحج يحقق قوة التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، الحج يذكِّر باليوم الآخر، الحج أشهر معلومات، ما هي الأشهر المعلومات؟ ما المقصود بالرفث؟ مفهوم الفسوق، المقصود بعدم الجدال في الحج، المقصد الشرعي من النهي عن الجدال في الحج، صور معاصرة تخالف مقاصد الحج، الاستطاعة في الحج، حُكْم تارك الحج، وقت الحج، ما المقصود بالاستطاعة في الحج؟ أهمية وجوب التعاون من أجل تيسير الحج للحجاج، على المسلمين أن يقدموا المصلحة العامة على الخاصة، صفة العمرة وأعمال الحاج يوم التروية، الإحرام وكيفيته، الاغتسال عند الإحرام، لبس ثياب الإحرام، التلبية وصيغها، ماذا يقول من خشي عائقاً يمنعه من إكمال النسك؟ استحباب الإكثار من التلبية، متى تنتهي التلبية؟ ملخص أعمال العمرة، متى يحرم الممتع ويخرج إلى منى؟ فضل يوم عرفة، ومتى يصعد الحاج إلى عرفة؟ فضل الدعاء في يوم عرفة، آدب الدعاء، الحرص على الأدعية المأثورة، الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الحجاج يوم عرفة، يوم الحج الأكبر، الأعمال التي يقوم بها الحاج في هذا اليوم بعد دفعه من مزدلفة إلى منى، مفهوم خاطئ عن الحكمة من رمي الجمرات، رمي الجمرات يكون بالحصى فقط، وقت رمي جمرة العقبة، وقفات مع أعمال يوم النحر، التحلل الأصغر، رمي الجمرات يكون بمثل حصى حذف، أيام التشريق وحكم الرمي فيها، حكم الرمي في أيام التشريق، ترتيب الرمي في هذه الأيام، كيف يستشعر المسلم أن رمي الجمرات عبادة من العبادات عليه أن يأتي بها ويهتم بها؟ هل هناك تحديد شرعي لوقت الرمي؟ حكم من عجز عن الرمي، وقفات مع حديث أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله، التهاون في الإكثار من التكبير، طواف الوداع، حكم طواف الوداع ومتى يكون؟ بعض الأخطاء في طواف الوداع، أخطاء الطواف بشكل عام، بعض أخطاء الحجاج في السعي، فوائد الحج، ذكر بعض الفوائد التي تعود على الحجاج بعد الحج، فضل الإقامة في مكة المكرمة، الحج وتمام الدين، إتمام الدين من أعظم نعم الله على المسلمين وذلك بالحج، من آداب زيارة المسجد النبوي، فضل زيارة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهل لها ارتباط بالحج كما يعتقد بعض الحجاج؟ أخطاء تقع من الزائرين عند زيارة قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وفي مطلع هذا الإصدار يتحدث معالي الشيخ د. أبا الخيل عن فضل مكة والمسجد الحرام؛ ليبين المعنى والاسم، وأسماء الكعبة الشريفة، ومضاعفة العمل والأجور فيها.. يقول معاليه في هذا السياق: «ومن بَرَكَات هَذَا الْبَلَد الْحَرام أن ثواب الْعَمَل فِيه مضاعف، يَقُول الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَديث الصَّحِيح-: (صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِد الحَرَام، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ). وَقَد ذَهَب كَثِيرٌ مِن أهْل الْعِلْم إِلَى أَنّ الْمُضَاعَفَة هُنَا شَامِلَة جَمِيعَ الْحَرَم وَالْمَسْجِدُ دَاخِلٌ فِيه.
وَفِي مُقَابِل ذَلِك تُضَاعَف السَيِّئَات إِذَا فُعِلَت فِي الْحَرَم، فَخَطَرُ فعلِ السَيِّئَة وَضَررُها أَشَدُّ وَأَعْظَمُ إِذَا اِرْتُكِبَت فِي الْبَلَد الْحَرام، وَهَذَان الْأَمْرَان يَغِيبَانِ عَن أَذْهَان كَثِير مِن الْمُسْلِمِين فَتَجِدُهُم إِذَا وَصَلُوا إِلَى الْبَلَد الْحَرام لَا يَهْتَمُّون بِالْإكْثَار مِن الطَّاعَات وَالْعِبَادَات الْمَشْرُوعَة، وإنما تراهم يُضِيّعُون أَوْقَاتَهُم وَجُهُودَهُم فِي أُمُورٍ لَا تَعُود عَلَيهم بِالنَّفْع، وخُصُوصًا إِذَا أَدَرَكنَا أَنّ بَعْضَهُم لَا يُمْكِنه أَن يَصِل إِلَى الْبَلَد الْحَرام فِي الْعُمُر إلّا مَرَّة وَاحِدَة فَقَط. وَهُنَاك فِئَةٌ أُخْرَى مِمَّن يَقْصِدُون الْبَلَدَ الْحَرامَ تَجِدُهُم صَرَفُوا وَقْتَهُم لِفِعْل الْبِدَع وَالْمُخَالَفَات، وَارْتِكَاب السَيِّئَات، وَالْجِدال والمُمَارَاة، والْقِيل وَالْقَال، وَرَفْع الشِّعَارَات الْفَاسِدَة الَّتِي لَا تَمُت لِلْإِسْلام بصِلَة.. وَكُلّ ذَلِك سَيِّئَاتٌ وَخَطَايا مُخَالِفَة لما أَمَر اللهُ بِه وَرَسُولُه -صلى الله عليه وسلم».
كما تناول فضيلة الشيخ أ.د. سليمان أبا الخيل سبل الاستعداد للحج، وهي من أهم الأمور التي ينبغي للحاج والمعتمر أن يعرفها. يقول فضيلته في بيانها:
«إِنّ سُبُل الْاِسْتِعْدَاد لِمُرِيد الْحَجّ وَالْعُمْرَة كَثِيرَةٌ جِدًّا وَمُتَنَوِّعَةٌ أيضًا، وَسأَقِف عَلَى بَعْضها فِيمَا يَأْتِي:
الْأَمْر الْأَوَّل: التَّوْبَة إِلَى الله -تعالى- مِن جَمِيع الذُّنُوب تَوْبَةً نَصُوحًا صَادِقَةً.
يَقُول الْحَقّ -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وَيَقُول اللهُ -تعالى-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وَحَقِيقَة التَّوْبَة: الْإقْلاع عَن الْمَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِن زَمان التَّفْرِيط فِيهَا، وَعَقدُ الْعَزْم عَلَى عَدَم الْعَوْدَة إِلَيهَا مَرَّة أُخْرَى، هَذَا إِذَا كَانَت الذُّنُوب فِي حَقّ الله -عز وجل-، أَمَّا إِنّ كَان مِنْهَا شَيْء فِي حَقّ الْمَخْلُوق فَعَلَيه إِلَى جَانِب مَا سَبْق الاستِحْلَال مِنْه وَرَدّ الْمَظَالِم لِأَهْلِهَا، لِمَا صَحّ عَنْه -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ).
الْأَمْر الثَّانِي: وَصِيَّة أهْلِه وَأَصْحَابِه بِتَقْوَى الله -عز وجل- بِاِمْتِثَال أوامرِه وَاجْتِنَاب نَوَاهِيه، فَالتَّقْوَى هِي خَيْر الزّاد.
الْأَمْر الثَّالِث: كِتَابَة مَا لَه وَمَا عَلَيه مِن الدُّيون، والإِشْهَاد عَلَى ذَلِك؛ لِأَنَّه لَا يَدْرِي مَا يَعْرِض لَه فِي سَفَرِه فَحِفَاظًا عَلَى هَذِه الْأُمُور يَنْبَغِي لَه بَيَانُهَا وإيضَاحُها.
الْأَمْر الرّابع: أَن يَخْتَار لِحَجِّه وَعُمْرَتِه الزّاد الْحَلال وَالنَّفَقَة الْحَلال، وَأَن يَتَجَنَّب الْأَكْل مِن الْحَرام وَمَا فِيه شُبْهة فِي الْحَجّ أَو فِي غَيْره، فقد صَحّ عَنْه -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا.. وفيه: ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟).
وَرَوىَ الطَّبَرَانِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ. وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ).
الْأَمْر الْخامس: أَن يَقْصِد بِحَجِّه وَعُمْرَتِه وَجْهَ الله -تعالى- وَالدَّارَ الْآخِرَة وَالتَّقَرُّبَ إِلَى الله -تعالى- بِالْأَقْوَال وَالْأَفْعَال فِي تِلْك الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة الْمُبَارَكَة، وَليَحَذَر كُلّ الْحَذَر مِن أَن يَقْصِد بِعَمَلِه الدُّنْيا وَحُطَامَهَا أَو أَن يَقْصِد الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ فَذَلِك مِن أَقْبَح الْمَقَاصِد، وَهُو سَبَبٌ لِحُبُوط الْعَمَل وَفَسَاده، فَهُو -تعالى- غَنِيٌّ عَن عباداتنا، وَهُو أَغنَى الشُّركاء عَن الشّرك، وَقَد صَحّ عَنْه -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: (قَالَ اللهُ -تَبَارَك وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ).
الْأَمْر السّادس: اِخْتِيَار الرّفقة الصَّالِحَة، وَذَلِكَ بأَنْ يَخْتَار فِي سُفَرهِ الْفُضَلَاَء الصَّالِحِينَ مِنْ الْعُلَمَاء وَطَلَبَة الْعِلْم وَالْمَشْهُود لَهُمْ بِالتَّقْوَى وَالصَّلَاح؛ لِأَنَّ فِي رُفقَة هَؤُلَاءِ إِعَانَةً لَهُ عَلَى الْخَيْر، وَتَقْصيرًا وَتَسْهِيلًا لِمَا قَدْ يَعْرِض لَهُ فِي سفَرهِ أَوْ حَجّهِ مِنْ إشْكَالَات أَوْ تَسَاؤُلَات فَيَعْرِضهَا عَلَيهمْ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ أَدْعَى لِاِسْتِثْمَار أَوقَاتهِ بِكُلِّ مُفِيد وَنَافِع، كَمَا أَنْ عَلَى الْمَرْء أَنْ يَحْذَر مِنْ صُحْبَة الأَشْرَار وَالْفُسَّاق؛ لِأَنّهُمْ يَفْتَحُون لَهُ بَاب الغِوَايَة وَيكونُون سَبَباً فِي إِضَاعَة أَوقَاتهِ بِمَا لَا فَائِدَة فِيه، بَلْ رُبَّمَا جَرْوا عَلَيهِ الْإِثْم كَالْغِيبَة وَالنَّمِيمَة وَالْفُحْش مِنْ الْقَوْل وَالْعَمَل.
الْأَمَرُ السَّابع أَنْ يَتَعَلَّم الْحَاجّ مَا يُشْرَع لَهُ فِي حَجّهِ مِنْ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال، وَهُوَ مِنْ أَهَمْ الْأُمُور الَّتِي تُعِينُ الْحَاجّ عَلَى أَنْ يُؤَدِّي حَجّهُ عَلَى وَفْق مَا قَال النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا جَاء فِي الْحَديث الصَّحِيح-: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)، وَهَذَا الْأَمَرّ جَدِير بِالْاِهْتِمَام وَالْأهَمِّيَّة؛ لِيُكَوِّن مُتَّبِعًا دُونَ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان؛ وَليَعْبَد اللَّه عَلَى بَصيرَةٍ وَذَلِكَ بِقِرَاءة الْكُتُب النَّافِعَة، وَسَمَاع الْأَشْرِطَة الْمُعِينَة له تلك الَّتِي تُبَيِن أَحْكَام الْحَجّ وَالْعمرة. وَأَنْصَح فِي هَذَا الْمَقَام بالْاِهْتِمَام وَالْعِنَايَة بِالْاِسْتِمَاع إِلَى هَذِهِ الْإذَاعَة الْمُبَارَكَة إذَاعَة الْقُرْآن الْكَرِيم مِن الْمَمْلَكَة الْعَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة؛ فَفِيهَا خَيرَات حِسَان، وَفِيهَا فَوَائِدُ وَإِيجَابِيَّاتٌ، وَأَمُورٌ لَا يَعْرِفُهَا إلّا مِن تَابَعَهَا وَاسْتَفَاد مِنْهَا.
وفي هذه الْإذَاعَة الْمُبَارَكَة إذَاعَة الْقُرْآن الْكَرِيم مِن الْمَمْلَكَة الْعَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة تَرِد بَعْض فَتَاوَى أَصْحَاب الْفَضِيلَة من الْعُلَمَاء وَالْمَشَايِخ حَوْل مَوْضُوع الْحَجّ وَالْعُمْرَة، وَالْأُمُور الَّتِي يَكْثُر السُّؤَال عَنْهَا من الحجَّاج والمعتمرين.
وَمِن أَنْفَع مَا يُوصَى بِه فِي هَذَا الْمَقَام وَأَجْمَله قِرَاءةً وَتَأَمُّلًا وَتُدَبُّرًا من الكتب العلمية المتعلقة بالحج ومسائله وأحكامه، كِتَاب: التَّحْقِيق والإِيضَاحِ لِكَثِير مِن مَسَائِل الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَالزِّيارَة لِسَمَاحَة شَيْخنَا الشَّيْخ عَبْد العَزِيز بْن عَبْد الله بْن بَاز - رَحِمَهُ الله -.
كَمَا ينبغي لِلْحاجّ إِذَا عَرض لَه أَمْرٌ ما يُشْكل عَلَيه فَهْمه أَو مُعَرِفة حُكْمِه أَن يُسَارِع فِي الْوَقْت نَفْسِه الَّذِي حَصَل فِيه الْخَطَأ أَو الْاِلْتِبَاس بِسُؤَال أَصْحَاب الْفَضِيلَة الْعُلَمَاء، فيسألهم عَمَّا أُشْكِل عَلَيه حُكْمُه، وَلَا يَجُوز لَه التَّأْخِير؛ لِأَنَّ الفتيا قد تَتَطَلَّب عَمَلَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي ذَلِك الْيَوْم الَّذِي وَقَع فِيه الْإِشْكال، وَهَذَا يَفُوت بِفَوَاتِه، وَرُبَّما يَتَرَتَّب عَلَى هَذَا التَّأْخِير محاذِير أُخْرَى. وَقَد هَيَّأت هَذِه الدَّوْلَةُ الْمُبَارَكَة الْإِمْكانَات كَافَّة مِن أَجَل بَيَان هَذِه الْمَسَائِل وَالتَّوْجِيه وَالْإِرْشَاد بِوَضْع الْمَكَاتِب وَاِلْأَمَاكِنِ الْمُخَصَّصَة لِذَلِك عَبْر وِزَارَة الشؤُون الْإِسْلامِيَّة وَالدَّعْوَة وَالْإِرْشَاد.
الْأَمْر الثَّامِن: الْاِسْتِغْناء عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس وَالتَّعَفُّف عَن سُؤَالِهُم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ)».
ومن الموضوعات المهمة التي تناولها المؤلف فضيلة أ.د. سليمان أبا الخيل - جزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء - ما ذكره عن حِكَم الحج ومقاصده وأسراره، ومظاهر التوحيد فيه.. يقول - وفقه الله -: «حِكَم الْحَجّ كَثِيرَة ومتنوعة وَمُتَعَدِّدَة، وَيُمْكِن أَن نَأْتِي عَلَى شَيْء مِنْهَا، فَمِنْهَا: الْعُبُودِيَّة التَّامَّة لله، وَالْاِسْتِجَابَة لَه وَالسَّيْر عَلَى طَاعَتِه، وَهَذِه هِي الْحِكْمَة مِن خَلْق الثَّقَلَيْن، قَالَ الله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فَقَوْل الْحاجّ: لبَّيْك اللَّهُمَّ لبَّيْك، أَي: إِجَابَةً لَك بَعْد إِجَابَةٍ.
وَشَأْن الْمُؤْمِن دَائِمًا أن يَقُول إِذَا سمِع نِدَاء الله: سَمعنَا وَأَطَعْنَا. وَمِنْهَا إِظْهار الْعُبُودِيَّة فِي الْحَجّ مِن خِلاَل أَدَاء الْحاجّ لِكَثِير مِن الْأَعْمَال وهو َلَا يُدْرِك حِكْمَتَهَا وَإِنَّمَا يَدْفَعُه إليها إيمَانُه بِالله وَتَأَسّيه بِرَسُولِه -صلى الله عليه وسلم- أَن يَفْعَل ذَلِك، كَالْطَّوَاف وَالرَّمْي وَغَيْرهما.
وفيه حكمٌ ومقاصد كثيرة، منها:
الْحَجّ يُحَقِّق الْوَحْدَة وَالْمُسَاوَاة بَيْن الْمُسْلِمِين:
فِي الْحَجِّ تَتَجَلَّى معالم الْوَحْدَة الْإِسْلامِيَّة وَالْمُسَاوَاة بَيْن الْمُسْلِمِين؛ فَالْجَمِيع قَد طَرَح الْمَلاَبِسَ وَظَهَرُوا جميعًا فِي زيّ وَاحِد، الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالْقَوِيّ وَالضَّعِيف، فِي وَحْدَة تَامَّة، فِي الشَّعَائِر وَالْهَدَف وَالْعَمَل وَالْقول، لَا إِقْلِيمِيَّة وَلَا عُنْصُرِيَّة وَلَا عَصَبِيَّة لِلَوْن أَو لجِنْس أَو لطَبَقَة.
قَال الله -عز وجل-: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ)، وقال -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَديث الصَّحِيح الآخر: (لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى).
الْحَجّ يُحَقِّق التَّقْوَى
وَمِن حِكَم الْحَجّ الْعَظِيمَة: تَحْقِيق التَّقْوَى بِاِمْتِثَال الْأوَامِر وَاجْتِنَاب النَّوَاهِي، وَالتَّجَرُّد مِن شَهَوَات النَّفْس وَحَبْسهَا عَن كُلّ مَا حَرَّم الله، فَبالْإِحْرَام يَمْتَنِع الْمُحَرم عَن أُمُور كانت مباحةً له قبل إحرامه، وَهَذَا يُرَبِّي فِي الْمُسْلِم قُوَّة الْإِرَادَة وَضَبْط النَّفْس، وَاِسْتِشْعَار عَظَمَة اللَّه وَعُبُودِيَّته، وَيَجْعَل الْمُسْلِم يَسْتَقِيم عَلَى دِين اللَّه بَعْد ذَلِك وَلَا يُحَدِّث نَفْسَه بِالرُّجُوع إلْى مَاضِيهَا الْمَلِيء بِالْمَعَاصِي؛ وَلِذَلِك اسْتَحَقَّ مَنْ صَابر نَفْسَه وَجاهدَهَا عَلَى ذَلِك أَن تُغْفَر ذُنُوبُه، قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَديث الصَّحِيح: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).
والتقوى خصلة من الخصال الكريمة، قال ابن الجوزي:
«التَّقْوَى: اعْتِمَاد المتقي مَا يحصل بِهِ الْحَيْلُولَة بَينه وَبَين مَا يكرههُ. فالمتقي: هُوَ المحترز مِمَّا اتَّقَاهُ. وَقَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ: التَّقْوَى أَكثر مِدْحَة من الْإِيمَان لِأَن الْإِيمَان قد تخلله غَيره (وَالتَّقوى لَا يتخلله غَيره)، وَيُقَارب التَّقْوَى الْوَرع إِلَّا أَن الْفرق بَينهمَا أَن التَّقْوَى أَخذ عدَّة والورع دفع شُبْهَة، وَالتَّقوى مُتَحَقق السَّبَب والورع مظنون السَّبَب، والورع تجاف بِالنَّفسِ عَن الانبساط فِيمَا لَا يُؤمن عاقبته».
ثم قال: وَذكر أهل التَّفْسِير أَن التَّقْوَى فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه:
أَحدهَا: التَّوْحِيد، وَمِنْه قَوْله -تعالى- فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، وفي الحجرات: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}.
وَالثَّانِي: الْإِخْلَاص، وَمِنْه قَوْله -عز وجل- فِي الْحَج: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، أَرَادَ من إخلاص الْقُلُوب.
وَالثَّالِث: الْعِبَادَة، وَمِنْه قَوْله -تعالى- فِي النَّحْل: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}.
وَفِي الْمُؤمنِينَ: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وَفِي الشُّعَرَاء: {قوم فرعون ألا يتقون}.
وَالرَّابِع: ترك الْمعْصِيَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وَالْخَامِس: الخشية، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}.
وَفِي الشُّعَرَاء: {إذا قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون}، وَكَذَلِكَ فِي قصَّة هود وَصَالح وَشُعَيْب.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -:
«وَالتَّقْوَى: هِيَ الِاحْتِمَاءُ عَمَّا يَضُرُّهُ بِفِعْلِ مَا يَنْفَعُهُ؛ فَإِنَّ الِاحْتِمَاءَ عَنْ الضَّارِّ يَسْتَلْزِمُ اسْتِعْمَالَ النَّافِعِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ النَّافِعِ فَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ لِضَارِّ فَلَا يَكُونُ صَاحِبُهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. وَأَمَّا تَرْكُ اسْتِعْمَالِ الضَّارِّ وَالنَّافِعِ فَهَذَا لَا يَكُونُ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِ الْغِذَاءِ كَانَ مُغْتَذِيًا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَوَادِّ الَّتِي تَضُرُّهُ حَتَّى يَهْلَكَ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى وَلِلْمُتَّقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُحْتَمُونَ عَمَّا يَضُرُّهُمْ فَعَاقِبَتُهُمْ الْإِسْلَامُ وَالْكَرَامَةُ وَإِنْ وَجَدُوا أَلَمًا فِي الِابْتِدَاءِ لِتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ وَالِاحْتِمَاءِ كَفِعْلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمَكْرُوهَةِ. كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وَلِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ الْمُشْتَهَاةِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى-: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الجنة هي المأوى}».
ويقول ابن القيم -رحمه الله -:
«وَالتَّقوى فِي الْحَقِيقَة تقوى الْقُلُوب لَا تقوى الْجَوَارِح قَالَ - تَعَالَى -: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، وَقَالَ سبحانه: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، وَقَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: (التَّقْوَى هَا هُنَا) وَأَشَارَ إِلَى صَدره. فالكيّس يقطع من الْمسَافَة بِصِحَّة الْعَزِيمَة وعلو الهمة وَتَجْرِيد الْقَصْد وَصِحَّة النِّيَّة مَعَ الْعَمَل الْقَلِيل أَضْعَاف أَضْعَاف مَا يقطعهُ الفارغ من ذَلِك مَعَ التَّعَب الْكثير وَالسّفر الشاق؛ فَإِن الْعَزِيمَة والمحبة تذْهب الْمَشَقَّة وتطيب السّير، والتقدم والسبق إِلَى الله - سُبْحَانَهُ - إِنَّمَا هُوَ بالهمم وَصدق الرَّغْبَة والعزيمة فيتقدم صَاحب الهمة مَعَ سكونه صَاحب الْعَمَل الْكثير بمراحل فَإِن ساواه فِي همته تقدم عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ».
وما يميز هذا الكتاب القيم أنه شامل جامع للقضايا التي تتعلق بالحج وأحكامه ومقاصده، وقد شرح فيه المؤلف فضيلة معالي أ.د. سليمان بن عبدالله أبا الخيل أحكام الحج ومقاصده وحكمه، بأسلوب جذاب يجعل المطلع يقبل على قراءة الكتاب والاستفادة من محتواه القيم.
وفي نهاية هذا العرض كلنا أمل أن يترجم هذا الإصدار إلى اللغات الحية؛ لكي تعم الفائدة والنفع لأبناء المسلمين في أنحاء العالم كافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.