* أشكل عليَّ قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «من نسيَ واجبًا فليُهرق دمًا» مع ما جاء من النصوص الصريحة بالعفو عن النسيان، فماذا يقول فيه أهل العلم؟ - كلام ابن عباس -رضي الله عنهما-: «من ترك من نسكه شيًئا فليهرق دمًا» [سنن الدارقطني: 2536]، «تَرَك»، والترك أعم من أن يكون عن عمدٍ أو نسيان. ولا شك أن النسيان داخل في عموم قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو جارٍ على القاعدة عند أهل العلم في الترك مع النسيان: (النسيان يُنزِّل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود)، ومثال ذلك: مَن صلى الظهر خمسًا بأن زاد ركعةً نسيانًا، هل صلاته صحيحة أم باطلة؟ نقول: يسجد للسهو وصلاته صحيحة، لكن إذا نسي وصلى الظهر ثلاثًا، فهل نقول: يسجد للسهو وصلاته صحيحة؟ لا، بل لا بد أن يأتي بالركعة؛ لأن النسيان يُنزِّل الموجود منزلة المعدوم، وفي الوقت نفسه لا يُنزِّل المعدوم منزلة الموجود. وفي هذه الحالة مَن ترك نُسكًا يُرق دمًا؛ لأن هذا النسيان تَرْكُ معدومٍ، فالنسيان لا يُنزِّله منزلة الموجود، والعمد من باب أولى. وينبغي أن يفرَّق بين أنواع النسك، فمِن النسك ما هو ركن، وهذا لا يكفي أن يُراق عنه دم، بل لا بد من الإتيان به، ومنه الواجب، وهو الذي يَدخل فيه أثر ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومنه المستحب والمندوب، فمثل هذا لا يحتاج إلى جبران. * * * إحرام المرأة إذا وافق إحرامها وقت عادتها * كيف يكون إحرام الحائض إذا وافق إحرامها وقت عادتها؟ وهل الأفضل أن تحج أو لها الترخص لعامٍ قادم؟ - في الحديث الصحيح أن عائشة -رضي الله عنها- حاضت وأمرها النبي - عليه الصلاة والسلام - أن تحرم وأن تفعل ما يفعله الحاج غير ألَّا تطوف بالبيت [البخاري: 305]، وأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - أسماء بنت عميس حينما نُفست في المَحْرَم أن تُحرم وتَسْتَثْفِر [مسلم: 1218]، فالحائض تأتي بكل ما يأتي به الحاج غير أنها لا تطوف حتى تطهر، والأفضل أن تؤدي حجها وعمرتها ونسكها من غير تأخير. * * * مكان إحرام أهل مكة بالعمرة * أنا من أهل مكة وأريد أن أعتمر، فهل أُحرم وأنوي من السكن، أو يوجد ميقات لأهل مكة، وأين هو؟ أفيدوني مأجورين. - جماهير أهل العلم على أن المكي إذا أراد أن يعتمر فعليه أن يخرج إلى أدنى الحِلّ ولا يُحرم من مكانه، بينما إذا أراد الإحرام بالحج فإنه يُحرم من مكانه «حتى أهل مكة من مكة» [البخاري: 1524] كما جاء في الحديث الصحيح، وأهل العلم يقولون: إن السبب في خروجه إلى الحِل في العمرة دون الحج؛ ليجمع في نُسكه بين الحِلّ والحرم، وإذا أحرم من الحرم بالعمرة فإنه لن يخرج إلى الحِل، بينما إذا أحرم بالحج من الحرم فإنه سوف يخرج إلى الحِل للوقوف بعرفة. ومن أهل العلم - وكأن الإمام البخاري يميل إليه - أن أهل مكة يُحرمون من مكة مُطلقًا، وهذا يُرجحه الصنعاني وبعض العلماء، لكن قول الجمهور هو الراجح، وهو الصواب؛ لأن ما جاء في الحديث محمول عند أهل العلم على الحج، بدليل أن عائشة - رضي الله عنها - لما طلبتْ من النبي - عليه الصلاة والسلام - أن تعتمر بعد حجها، أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - أخاها عبدَ الرحمن أن يُعمرها من التنعيم، وحَبَس الناس انتظاراً لها لتذهب إلى التنعيم وتُحرم وتَرجع [البخاري: 2984]، ولو كان إحرامها من الحِلّ كافيًا لما شق على الناس بانتظارها حتى تخرج إلى الحِل وترجع، فالصواب أنه لا بد من الخروج إلى أدنى الحِلّ في الإحرام بالعمرة للمكي. ** ** يجيب عنها معالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء