المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الناشر: دار ابن الأثير بالرياض إعداد: عبد الله بن محمد الوهيبي صحفي ومدون سعودي - جامعة الملك سعود الكتاب صغير الحجم كبير الفائدة كثير المسائل، وهو - مثل بقية الطرح الشرعي للشيخ ابن باز رحمه الله - من السهل الممتنع، فهو منسك مختصر في إيضاح وتحقيق كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة وبيان فضلها وآدابها وما ينبغي لمن أراد السفر لها كل ذلك على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛وقد اجتهد المؤلف في تحرير تلك المسائل على ضوء الدليل على سبيل الاختصار والإيضاح. وقد طبع الكتاب للمرة الأولى عام 1963ه (ألف وتسعمائة وثلاثة وستين للهجرة) على نفقة جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله، وفي الطبعتين الثانية والثالثة للكتاب زاد المؤلف على كل طبعة منهما زيادات مهمة وكثيرة، ثم طبع الكتاب بعد ذلك طبعات لا تكاد تحصى وترجم إلى عدة لغات، ومن من قام بالترويج له مشكوراً: هيئة التوعية الإسلامية بالحج، والرئاسة العامة للإفتاء، ووزارة الشئون الإسلامية، وأحباب الشيخ وتلاميذه وتجار الكتب ودور النشر، وهو أحب كتب الشيخ إلى نفسه. ويتضمن الكتاب خمسة عشر فصلاً قصيراً شاملاً لكثير من أحكام الحج والعمرة والزيارة، حيث احتوت تلك الفصول: أدلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة إلى أدائهما، وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم، ما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات، المواقيت المكانية وتحديدها، حكم من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج، حكم حج الصبي الصغير، هل يجزئه عن حجة الإٍسلام؟ بيان محظورات الإحرام وما يباح فعله للمحرم، ما يفعله الحاج عند دخول مكة وبيان ما يفعله بعد دخول المسجد الحرام من الطواف وصفته، حكم الإحرام بالحج يوم الثامن من ذي الحجة والخروج إلى منى، بيان أفضلية ما يفعله الحاج يوم النحر، وجوب الدم على المتمتع والقارن، وجوب الأمر بالمعروف على الحجاج وغيرهم، استحباب التزود من الطاعات، أحكام الزيارة وآدابها، تنبيه: على أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست واجبة، استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع. ويبين المؤلف في الفصل الأول أن الله قد أوجب على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإٍسلام، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]. وفي الصحيحين، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام». وروى سعيد في سننه، عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين )ومعنى جدة أي سعة من المال. وروي عن علي أنه قال: (من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً). ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه؛ لما روي عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تعجلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد. ولأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه، لظاهر الآية. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: « أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا « أخرجه مسلم. وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الإٍسلام، قال صلى الله عليه وسلم: « الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان» أخرجه ابن خزيمة، والدار قطني، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الدار قطني: هذا إسناد ثابت صحيح. ومنها: حديث عائشة أنها قالت: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: « عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» أخرجه أحمد، وابن ماجة بإسناد صحيح. ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع». ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعاً، لما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». ثم ذكر الشيخ رحمه الله بعض الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الحاج قبل سفره وأثناء حجه فذكر منها الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن الله» وقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم». ومعنى مزعة أي قطعة وكذلك أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه ليكون على بصيرة. وفي حديث المؤلف عن ما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات: أوضح أن المرأة إذا وصلت الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت. وبيّن رحمه الله أن من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة، كالتاجر، والحطاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب لقول النبيصلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: « هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة»، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه ؛وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجاً ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك. وأما من كان مسكنه دون المواقيت؛ كسكان جدة، وأم السلم، وبحرة، والشرائع، وبدر، ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة، بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، وإذا كان له مسكن آخر خارج الميقات فهو بالخيار إن شاء أحرم من الميقات، وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال: « ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة» أخرجه البخاري ومسلم. ومعنى فمهله: أي إهلاله بالتلبية من مكان إحرامه. لكن من أراد العمرة وهو في الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل ويحرم بالعمرة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة العمرة أمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى الحل فتحرم منه، فدل ذلك على أن المعتمر لا يحرم بالعمرة من الحرم، وإنما يحرم بها من الحل. وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس المتقدم، ويدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « حتى أهل مكة يهلون من مكة» هو الإهلال بالحج لا العمرة، إذ لو كان الإهلال بالعمرة جائزاً من الحرم لأذن لعائشة رضي الله عنها في ذلك ولم يكلفها بالخروج إلى الحل، وهذا أمر واضح، وهو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم، وهو أحوط للمؤمن؛ لأن فيه العمل بالحديثين جميعاً. وأوضح المؤلف أثناء كلامه عن محظورات الإحرام أنه يجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال؛ لقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) [ البقرة: 197]. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». والرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل، والفسوق: المعاصي، والجدال: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به، بل هو مأمور به؛ لقول الله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ النحل: 125 ]. وفي آخر الكتاب يبين الشيخ ابن باز رحمه الله أنه قد علم من الأحاديث النبوية الصحيحة أن زيارة القبور مشروعة لتذكر الآخرة والإحسان إلى الموتى والدعاء لهم والترحم عليهم. فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله، ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم، بل هي من الهجر الذي نهي عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال: « زوروا القبور، ولا تقولوا هجراً «. وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة، ولكنها مختلفة المراتب، فبعضها بدعة وليس بشرك؛ كدعاء الله سبحانه عند القبور، وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك، وبعضها من الشرك الأكبر، كدعاء الموتى والاستعانة بهم، ونحو ذلك. وقد بيّن ذلك مفصلا رحمه الله.