في تجربة سينمائية وثائقية أنتج السينمائي الدنماركي «نيكولاي كريستينسن» فيلماً وثائقياً مهماً عن شخصية طبيب فلسطيني، يعيش فيم مخيم شاتيلا في بيروت. وخلال مهنته كطبيب كان يقوم بجمع «مقتنيات فلسطينية» يجمعها من الفلسطينيين، سجادة قديمة، مفتاح فلسطيني احتفظوا فيه للعودة بعد أن أقفلوا بيوتهم وغادروها في عام النكبة. قدح نحاسي من فلسطيني، حزام قديم من الجلد يشد فيه الفلاحون وسطهم ويحفرون الأرض. صورة فوتوغرافية قديمة لعائلة فلسطينية في الثلاثينات. منجل فلسطيني لقطع أغصان الزيتون. قلم حبر قديم كانوا يكتبون فيه الرسائل. رسائل فلسطينية يتبادلها الفلسطينيون. طوابع بريد فلسطينية . حبل فلسطيني يشدون فيه الناعور. عباءة فلسطينية قديمة لشيخ فلسطيني. أدوات نحاسية.. هذا الطبيب الذي جمع كل هذه المقتنيات، اسمه «محمد الخطيب» وبعد أن جمع كل هذه المقتنيات، شعر أبه يمتلك متحفاً فلسطينياً جميلاً، فقرر إقامة هذا المتحف وفي وسط مخيم شاتيلا في زاوية مظلمة صار يأتيها الفلسطينيون ويتذكرون تاريخهم إلى أن استدل عليه المسافرون من أوربا والعالم وصار المتحف موضع اهتمام الناس والسائحين. السينمائي الدنماركي مر على هذا المتحف ودهمته فكرة الفيلم الوثائقي، فأنتج وأخرج فيلما عن الطبيب محمد الخطيب ومتحفه الذي من خلاله يروي ماضي فلسطين، دون أن تسمع في الفيلم صوت إطلاق نار ولا صوت مدفع ولا أزيز طائرة.. فيلم حنون عن فلسطين بعين سينمائية غير فلسطينية وغير عربية. سينمائيو العالم هم شأن مختلف عن السينمائي العربي. فالسينمائي العربي ما إن يفكر بعمل فيلم عن فلسطين حتى تزدحم في مشاهده النيران والطلقات، ويتجسد الصراع المسلح بين فلسطين وإسرائيل، ويشعر أنه ما لم يتلعلع الرصاص في الفيلم فإن الفيلم لن يكون فلسطينياً. العين السينمائية في الغرب تختلف عن العين العربية، ولذا حين تشاهد الفيلم فإنك تنتصر لفلسطين بهدوء وتأمل حتى تدمع عيناك حزناً، ويدفعك الفيلم للتفكير بالقضية الفلسطينية وأبعادها من خلال المشاعر الإنسانية. إن المواد والحكايات الفلسطينية التي يمكن الحديث عنها في السينما هي حكايات لا تحدها المخيلة، ومثل ما فعل السينمائي نيكولاي كريستينسن مع متحف الذكريات، سعت المخرجة اللبنانية من الأصول الفلسطينية «كارول منصور» لعمل فيلم حول اثنتي عشرة امرأة فلسطينية يتحدثن عن ذكرياتهن قبل الشتات. عنوان الفيلم «خيوط السرد» لأن أولئك النسوة يروين حكاياتهن وهن ينسجن الملابس والحقائب والأحزمة والسجاد. وهذه الأفكار الجميلة تروي حكايات فلسطين بطريقة مختلفة عما ألفناه في السابق في أفلام عن فلسطين يعلو فيها صوت البندقية. أنها حكايات الناس البسطاء يروون مشاعرهم عن فلسطين التي ضاعت.. وهم لا يعرفون كيف ضاعت.. لم تبق لهم غير الذكريات.. وهذه الذكريات لا تزال ماثلة للعيان. وحين تجسدها السينما فإن المتلقي ينتصر بهدوء للقضية الفلسطينية. فيلم خيوط السرد ومتحف الذكريات عينات عن أفلام فلسطينية جديدة .. هذان الفيلمان سوف يشاهدهما الجمهور الهولندي في مهرجان الكاميرا العربية في بداية تشرين وسوف يتوجان أمسية خاصة عن فلسطين، لمناسبة مائة عام على وعد بلفور.. أفلام فلسطينية.. ثقافة فلسطينية تنتصر لفلسطين دون أن نسمع في الصالة دوي المدافع.