اللعب على المتناقضات الكثيرة التي تملأ المنطقة عقديًا وسياسيًا واجتماعيًا وقبليًا وفكريًا هو البديل الأفضل للكسب دون أدنى احتمال للخسائر، وهنا كان لا بد لجماعات الضغط في الدول الغربية من تعزيز كل الوسائل التي تسهم في تعزيز هذا التناقض، واستغلال كل فرصة من شأنها تعميق الخلاف وتوسيع ما يعرف بالدوائر السيئة. اللعب على المتناقضات الذي تمارسه اللوبيات الصهيونية على السياسة الغربية في أنحاء العالم هو باختصار أن أكون معك وضدك في الوقت نفسه؛ منطقة رمادية يود فيها العدو أن يفني الجميع. قطر اليوم تبنت هذه التناقضات ولبستها ثوبًا مفصلاً، منذ وصول الشيخ تميم للحكم وهي لم تتفهم مواقف بعض دول الخليج من نظام حكم الأب الشيخ حمد الذي ثار على الشرعية، وتسببوا بسياساتهم العدائية في زعزعة البيت الخليجي، بل والتآمر على البيت السعودي تحديدًا بشكل واضح ومحير لمعاني الاستقلالية والموضوعية، لم تدرك قطر فداحة أزمة التسجيلات المسربة ولم تعِ شناعة الحدث؛ ذلك أن السعودية وقتها تجاهلتها إعلاميًا، سعيًا منها إلى الحفاظ على وحدة البيت الخليجي. باتت تستهدف الدول بالفوضى، وتكرس التناقضات، تدعم كل أحد بلا تمييز، دولة محسوبة على السلفية تناصر الجماعات الدينية المتطرفة، والجماعات اليسارية، والفاشيين العرب أمثال عبدالباري عطوان وغيره، دولة صغيرة الحجم جغرافيًا وديمغرافيًا تتبنى الوقوف مع الشعوب من خلال قناتها الجزيرة، وهي في الوقت نفسه لا تطبقه على نفسها بل لا تؤمن به، تقف مع الثورات العربية، ولا تقبله مع شعبها، فعندما صرخ شاعرها محمد العجمي، بقصيدة الياسمين التي وجه فيها انتقاداته الشديدة للأنظمة العربية وخصوصًا نظام بلاده قائلاً: كلنا تونس بوجه النخبة القمعية، وانتقد فيها أمير قطر. كان نتيجتها أن أودع في السجن أربع سنوات. تتبنى صرخات الشعوب، ولكنها لا تؤمن بتفاصيل الحقوق للشعب القطري فلو كان لدى قطر مبدأ الإيمان بحق الشعوب لسعت لدمقرطة بلدها فالكويت وتونس والأردن وحتى لبنان يتفوقون عليها من ناحية الحقوق السياسية، فهل سمعت بمحاكمة وزير قطري كما تسمع في الكويت؟ تنوح من أجل فلسطين، وعندما انقسموا قسمين، صادقت حماس وإسرائيل! تشق جيبها من أجل الإخوان، وتأخذ موقف المعارض ونقيضه في أكثر المواقف السياسية التي تتطلب فهم المراحل. تجاهلت حكومة الشيخ تميم الأخطاء الجسام التي وقع فيها الشيخ حمد، وباتت في مواقفها المناوئة تمارس تأصيلاً حقيقيًا لتسريبات القذافي من التسجيل الشهير الذي فيها ينطق الشيخ حمد بفيه عن كل معاني العداء والكراهية والسعي للإطاحة بالنظام السعودي. لم تكترث حكومة الشيخ تميم أبدًا بالسعي لتحسين الأجواء، بل دأبت على اتخاذ المواقف المشينة في المحافل الدولية وليس آخرها حملة الهجوم التي يقودها إعلام تميم، على قمة الرياض التي أدانت إيران وكل أشكال الإرهاب؛ فيما عزز الانطباع في رغبة قطر شق الصف، وتشتيت الجهود، واللعب على المتناقضات... كل هذا يتم تحت عباءة الاستقلالية والحرية والرأي والرأي الآخر قد يبدو هذا للبعض مقبولاً ومطلوبًا، إلا أن السؤال المحير لماذا كل هذا؟ نحن نتفهم هذه التناقضات إذا كان لها أساس صلب وفسيفساء اجتماعية وإمكانات كبيرة تدعمها، وسياسيًا يقاس عند تقييم سياسات الدول الخارجية حجم تطلعات الدولة بإمكاناتها، فعن أي إمكانات نتحدث والدولة قطر! هل وعت قطر مبدأ "سياسة المراحل"؟ هل وعت قطر مدى الضعف العربي العام والشامل؟ هل أدركت قطر ألا معنى للسياسة من دون إدراك للعامل الجغرافي؟ وأخيرًا هل تبنت قطر مشروعًا سياسيًا ديمقراطيًا داخليًا حتى لا نقول إن فاقد الشيء لا يعطيه؟! .. بات الأمر مقلقًا يبعث على عدم الارتياح والشك وكل الانزعاج، أدركت السعودية أن المشكلات لا تنحل من تلقاء نفسها وأن صبرها قد نفد فقطر لا تستحي من تفاصيل واقعها المتناقض وحجمها الطبيعي، صنعت منها اللوبيات الغربية كتلة من التناقضات تذكي به وتزاحم كل التناقضات التي تعج بها المنطقة؛ وهذا الذي جعل من دول المقاطعة تقول كل لعبة يقال لها كفى... فكان لا بد ممّا منه بد... ** **