من الأمور التي أحرص على قراءتها، تصريحات المسؤولين الجدد بعدما يصدر قرار بتعيينهم. سبب ذلك الاهتمام، هو الرغبة في التعرف على الفكر الإداري الذي يحمله أولئك المسؤولون، والفلسفة الإدارية التي يؤمنون بها، حيث سينعكس ذلك على طريقة إدارتهم وتعاملهم مع العاملين في الجهاز والمتعاملين معه. أكثر ما يحبطني في تلك التصريحات، حينما استشف من خلالها وكأن ذلك المسؤول تولى أمر جهاز صدر القرار بتأسيسه في نفس القرار الذي صدر فيه تعيين ذلك المسؤول، حيث يبدو التصريح وكأن لا علاقة له بجهاز قائم منذ عشرات السنين، له خططه، وبرامجه، وموظفيه، وإنجازاته، ونجاحاته، كما أن له أيضًا إخفاقاته وضعفه ومشكلاته. لماذا ينطلق بعض المسؤولين من فرضية أن الجهاز الذي أسندت إليه إدارته سيء، وهو بحاجة إلى البعث والبناء من جديد، دون أن يمنح نفسه الفرصة الكافية للتعرف على الجهاز، وعلى العاملين فيه، وقبل كل ذلك الوقوف على خططه وبرامجه القائمة لفهمها ومعرفة توجهاتها ومساراتها الحالية والمستقبلية. كيف نستطيع بهذه الطريقة أن نوجد عملاً تراكميًا مؤسسيًا يكمل بعضه بعضًا، بما يحقق أهداف الجهاز وطموحاته، ورغبات العاملين والمتعاملين معه. يزداد العجب حينما تدرك أن لدى بعض الأجهزة الحكومية برامج، أنفق عليها ملايين الريالات وصرف من أجلها الكثير من الوقت والجهد، وكذلك لديها إستراتيجيات تم العمل عليها والتعاقد لإنجازها مع مكاتب استشارية متخصصة، لتتفأجأ بأن المسؤول الجديد يوقفها جميعًا، دون أن يمنح نفسه الفرصة للوقوف عليها واستيعابها من أجل الاستفادة منها للانطلاق للمستقبل. العمل المؤسسي، عمل تراكمي ومستمر، يحتاج البناء المتواصل والإضافة والتعديل والتوجيه من كل من يتولى إدارة الجهاز، دون الغاء، أو الإقلال من الإنجازات السابقة، بل المطلوب استيعابها والبناء على المناسب منها، وتعديل ما يحتاج منها التعديل حسب المستجدات وظروف المرحلة. إن ما أتمناه أن تضع رؤية المملكة 2030 حدًا لهذا الأمر، وبالذات أنها في تعاملها مع الأجهزة الحكومية تتبع أسلوبًا إداريًا مختلفًا عن السابق، يقوم على تحديد الأهداف والبرامج، ووضع مؤشرات للأداء واشراك عديد من المنتسبين للجهاز في إدارتها وتنفيذها، مما يجعلنا في موضع أكثر تفاؤلاً في أن تكون هذه الأمور مرتبطة بالجهاز ذاته، وليس بمن يتولى إدارة الجهاز، بمعنى بقائها واستمرارها وتواصلها، سواء بقي ذلك المسؤول على رأس الهرم، أم رحل وحل محله مسؤول آخر لينطلق، ليس من الصفر واجتهاداته الشخصية، وإنما مما بناه سلفه وتراكم لدى الجهاز من خطط ومعارف.