تسلق «ألِن أوستن» سُلماً قديماً لإحدى البنايات الكائنة في الحي المجاور وهو في حالة عصبية كقط صغير مذعور. ولما كان المكان في العمارة مظلماً فقد استغرق وقتاً طويلاً وهو يبحث عن الاسم الذي يريده، حتى عثر عليه أخيراً مكتوباً على لوحة قديمة معلقة فوق باب إحدى الشقق! ودفع الباب وهو يفتحه، تماماً كما طلبوا منه أن يفعل، فوجد نفسه داخل غرفة صغيرة، ليس فيها من الأثاثِ سوى مائدة مطبخ متواضعة وكرسي دوّار وآخر عادي.. وعلى أحد الجدران رفان عليهما اثنتا عشرة قنينة، وعلى الكرسي الدوّار جلس رجل عجوز يقرأ صحيفة.. فناوله «ألن» البطاقة التي أعطيت له دون أن يتفوه بكلمة.. وما إن قرأها الرجل حتى خاطبه قائلاً بأدب جم: - اجلس يا سيد «أوستن».. إنني مسرور لإعداد وصفتك! وسأله «أوستن»: - هل صحيح أن لديك مزيجاً معيناً ذا مفعول جيد؟! أجابه العجوز قائلاً: - سيدي العزيز.. إن رأسمالي في التجارة صغير.. إنني لا أتعاطى في الملينات أو تركيبات الأسنان، كلا.. إن لديَّ شيئاً يختلفُ عن هذا تماماً.. إنني أعتقد بأن ما أبيعه لزبائني له تأثير غير عادي! قال «أوستن»: حسناً.. الحقيقة أنني.. فقاطعه العجوز قائلاً: - إليك هذا الصنف على سبيل المثال: وتناول قنينة من الرفِ وهو يقول: - هذا سائل عديم اللون كالماء، ولا طعم له أيضاً، ولا يمكن أن يشعر به أحد عند وضعه في القهوة أو الحليب أو أي شراب آخر، كما لا يمكن لأية طريقة معروفةٍ من طرق التشريح أن تكتشف أثره! فصاح «ألن» فزعاً: هل تعني أنه سُم؟! أجابه العجوزُ قائلاً بهدوء: - سَمِّهِ مُطهراً إن شئت! قالها العجوز بعدم اكتراث، واستمر يقول: - ربما يصلح للتطهير والتنظيف.. أنا شخصياً لم أجربه.. قد يسميه البعض «منظف الحياة».. لأن الحياة كما تعلم تحتاج إلى تنظيف أحياناً! قال «ألِن»: كلا.. لا أريد شيئاً من هذا الصنف! قال العجوز: حسناً تفعل.. هل تدري كم هو ثمنه؟! إن ملعقة صغيرة منه، التي تفي بالغرض، أطلبُ ثمناً لها خمسة آلاف دولار دون خصم حتى ولا بنس واحد! قال «ألن»: - أرجو ألا تكون كلُّ أصنافك غالية هكذا! قال الرجل: - كلا يا عزيزي.. فليس من المستحسن أن أطلب هذا الثمن ل(جرعة الحب) مثلاً.. لأن الشباب أمثالك الذين هم في حاجة إلى هذه الجرعة نادراً ما يملكون خمسة آلاف دولار، فلو كانوا يملكونها لما احتاجوا إلى مثل هذه الجرعة! قال ألن: يسرني جداً معرفة ذلك! قال العجوز: إنني أنظر إلى الأمر هكذا: اجعل الزبون يرضى عن أحد أصنافي أولاً ثم لا بد بعد ذلك أن يعود ليطلب صنفاً آخر حتى ولو كان أغلى ثمناً.. إذ سوف يوفرُ لأجله إن اقتضى الأمر! فسأله ألِن: إذاً، فأنت حقاً تبيعُ «جرعات الحب»؟! فأجابه العجوز وهو يتناول من الرف قنينة أخرى: لو كنت لا أبيعها لما قلت لك، إنني فقط أريد من الزبون الذي يرضى عن أحد أصنافي أن يكون موضع ثقة وكاتماً للسر! قال ألن: وهذه الجرعات أرجو ألا تكون.. فقاطعه العجوز قائلاً: كلا.. أبداً.. إن مفعولها دائم، ويستمر إلى أبعد من إحداث التأثير المرغوب فيه، وإنها تفي بالغرض وتقوم بالواجب! فقال «ألن» فرحاً: هذا مدهش! واستمر العجوز يقول: - ولكن لا تنس الناحية العاطفية والروحية أيضاً! قال ألِن: هذا صحيح! قال العجوز: - إن جرعة الحب هذه تُحيلُ عدم الاكتراث إلى إخلاص، وتبدّل الاحتقار إلى عشق وهيام.. أضف مقداراً قليلاً من هذا الصنف إلى عصير البرتقال أو الشوربة أو الكوكتيل، وقدمه إلى السيدة الصغيرة، فإنها سوف تتغير كلياً.. لن تطلب شيئاً بعد الآن سوى أن تكون وحيدة وأنت معها! قال ألن: - أكادُ لا أصدق هذا، فهي مغرمة بالحفلات! قال الرجل: - أبداً.. سوف تكره هذه الحفلات؛ لأنها ستخاف عليك وأنت معها من الفتيات الجميلات اللواتي تقابلهن هناك! فصاح «ألن» بذهول: هل حقاً سوف تكون غيورةً عليَّ؟! قال الرجل: نعم.. إنها سوف تريد منك أن تكون هي كل شيء بالنسبة لك! قال «ألن»: إنها كذلك.. ولو أنها لا تهتم أحياناً! قال العجوز: - سوف تهتم عندما تتناول من هذه الجرعة.. سوف تهتم بشدة.. وسوف تكون أنت متعتها الوحيدة في الحياة! فصاح «ألن»: هذا مدهش! واستطرد الرجل قائلاً: - سوف تريد أن تعرف كل ما تعمله.. كل حلم رأيته في منامِك.. كل كلمة منه.. سوف تريد أن تعرف بماذا تفكر.. ولماذا تبتسم.. ولأي سبب تبدو حزيناً! قال «ألن» بحماس: - هذه علامات الحب! قال الرجل: نعم.. وسوف تعتني بك كثيراً.. لن تسمح لك بإجهاد نفسك أو بالجلوس في تيارِ الهواء أو بإهمال طعامك.. ولو حدث أن تأخرت عنها ساعة فسوف تجن!! فصاح «ألن» بفرحٍ طاغٍ: أكاد لا أصدق أن «ديانا» ستصبح هكذا! واستمر العجوز قائلاً: حتى ولو أردت أن تزل قليلاً فيما بعد فلا تقلق.. إنها ستغفر لك زلتك، طبعاً ستتألم جداً، ولكنها سوف تسامحك! قال «ألن» بِحماس: - كلا.. لن أفعل ذلك! قال العجوز: طبعاً لا.. ولكنك لو فعلته فلا تقلق.. إنها لن تطلب الطلاق! وسأله «ألن»: - وكم تطلبُ ثمناً لهذا المزيج العجيب؟! أجابه العجوز: - إنه ليس غالي الثمن مثل «منظفِ الحياة» كما أسميه أحياناً؛ لأن الذي يحتاج إلى مثل ذلك الصنف يجب أن يكون أكبر منك سناً، وعليه أن يوفر المال من أجله! قال ألن: وجرعة الحب هذه، ما ثمنُها؟! قال العجوز وهو يفتح أحد أدراج مائدة المطبخ ويُخرج منه قنينة صغيرة قذرة: ثمنها دولارٌ واحدٌ فقط! قال «ألن» وهو يراقب الرجل يملأ القنينة: - لا أستطيع كيف أعبّر لك عن بالغ شكري وامتناني! فقال العجوز: - إنني أحب دائماً إرضاء زبوني كي يعود فيما بعد، وعندما تتحسن أحواله المادية؛ ليطلب صنفاً أغلى ثمناً.. خذ.. سوف تجدهُ قويَّ المفعول! وتحياتي للسيدة قرينتك! قال «ألن»: أشكرك مرة أخرى! قال العجوز: مع السلامة.. وإلى اللقاء! - ترجمة/ أحمد بن عثمان البسام