بوابة يناير - القاهرة استوديو مصر.. أفضل إستديو في بر مصر، يقع في عمارة من طراز إسلامي فريد في وسط العاصمة صممها مهندس إيطالي مع بدايات القرن الماضي وكتب على مدخلها « مصر بلد العجائب».. طابقها الأول صمم ليكون إستوديو فوتوغرافيا يمتلكه منذ خمسون عاماً مصري من أصل يوناني كان قد ورثه عن أبيه.. ويعتبر الإستوديو هو الأفضل في مصر منذ نشأته.. يتوارد عليه معظم الشخصيات العامة في مصر.. وصاحبه لا يمكن أن يخرج بكاميراته خارج الإستوديو مهما كان السبب فهو يحترم قاعدة كان قد وضعها أبيه منذ مائة سنة وهي أن من يريد أن ألتقط له صورة فليأتي إلى إستوديو مصر.. لهذا تجد أن معظم الصور المعلقة على حوائط الإستوديو كانت قد أخذت لشخصيات عامة مقتبل حياتهم سواء كانوا من الساسة أو الفنانين أو الرياضيين ومنهم من أصبحوا وزراء ومنهم أيضاً من أصبحوا رؤساء لمصر، حيث مع بداية العمل العام تكون الشهرة بسيطة، مما تتيح لهم المجيئ إلى هذا المكان في وسط العاصمة دون أن يتجمهر المارة حولهم. قبل موعد إغلاق الإستوديو بساعة دخل على الرجل العجوز الجالس وحيداً إثنين من أصحاب القامات الطويلة والأكتاف العريضة وإطمأنوا أن المكان خالي تماماً من الناس سوى الشاب الذي يساعد المصور العجوز ويفتح الأستوديو صباحاً ويغلقه ليلاً.. فرفع أحدهم يده عند فمه وتمتم في الميكروفون بكلمات غير مفهومة.. فوجدا العجوز والشاب «السيسي» أمامهما. يبدو أن «السيسي» يعتز بهذا المكان.. حيث كان مع كل رتبة جديدة يأتي إلى هذا الأستوديو ليحصل على صورته التي سوف تعلق على الحائط بدلاً من الصورة بالرتبة القديمة.. إلا أنه في هذه المرة لم يأتي برتبته على على كتفيه.. بل أن البدلة بدون كتافات ولونها أزرق داكن ورابطة عنق حمراء.. مازال الشاب فمه مفتوحاً وعينيه حازقتين من فرط الدهشة.. أما العجوز فقد إبتسم وقال: «جهز البلاتوه عشان أصور الرئيس» هنا نظر الشاب إلى الرجل العجوز باندهاش للحظات، ثم إقترب منه ووضع فمه في أذنيه قائلاً: «البلاتوه جاهز.. بس إنت ناسي إن فيه رئيس تاني جوه زمانه جهز نفسه» هنا سُمع صوت من الداخل يقترب قائلاً: «أنا جاهز يا راجل يا عجوز» حالة من الصمت أصابت الجميع والأفواه مفتوحة والأعين تكاد تخرج من الجفون.. وكأن الزمن وقف للحظات.. فالعجوز كان قد أدركه مرض النسيان فلم يتذكر أن «حمدين» كان قد جاء قبل دقائق ليلتقط له العجوز صور الدعايا الإنتخابية الجديدة كما إعتاد منذ سنوات وقت أن كان يترشح لمجلس الشعب ومن بعدها الإنتخابات الرئاسية الماضية.. والشاب الذي رأى رئيس قبل دقائق والذي حصل معه على صورة بالهاتف المحمول كي ينشرها على «الفيسبوك» ثم وجد نفسه أمام رئيس أخر لا يعرف إن كان سيوافق على أن يحصل معه نفس ما حدث منذ دقائق.. أم أنه من الممكن أن يضرب عصفوراً بحجرين الأن ويحصل على صورة واحده بها والرئيس الأول عن يمينه والأخر عن يساره. هنا قال العجوز بعد أن صافح كلا الرئيسين الأخر: «إتفضلوا يا رُيسا» على الأريكة الأرابسك جلسا الرئيسين... بدأ حمدين الحديث قائلاً: وسط البلد نورت يا فندم. فرد السيسي مبتسماً: منورة بوجودك فيها يا أستاذ حمدين. هنا شعر العجوز أن حديثاً مهماً بينهما من الممكن أن يحدث، فاستأذن لتجهيز البلاتوه. قال حمدين للسيسي: سيادتك جاي تتصور ميري ولا ملكي؟ فرد السيسي بنصف إبتسامة: إنت شايف إيه؟ فأدار حمدين رقبته إلى الناحية الأخرى قائلاً بصوتٍ خافت: أنا شايف إن الصورة في الأخر هتطلع ميري. فطبطب السيسي بيدية على قدم حمدين قائلاً: المهم الشعب هيشوفها إيه. فهز حمدين رأسه ثم نظر إليه بطرف عينيه قائلاً: الشعب عنيه راحت من البص في الصور الميري بقاله 60 سنة. هنا نظر السيسي لحمدين وقال: إنت عايز إيه.. عايزني أرفض طلب وأمر الشعب؟ فنظر إليه حمدين قائلاً: ماتقولش الشعب قول جزء من الشعب حتى لو كان جزء كبير، وإنت عارف كويس إن الناس دي لحد فض إعتصام رابعة ماكنش بيفكر فيك رئيس أساساً وكانت عايزاك تفضل في مكانك، إنما أنتوا كهربتوا البلد وخليتوا أجهزتكم الأمنية والإعلامية تقود الناس عشان يطالبوك تترشح.. إنما إنت كنت مخطط لده من الأول. فوجه السيسي وجهه لحمدين قائلاً بحدة: متهلفطش بكلام مانتاش قده ولا تعرف عنه حاجة. فقال حمدين بصوتٍ هادئ: إنت مش أخدت عهد على نفسك زيك زي الي حضروا معاك في 30 يونيو إن محدش من الحاضرين هيترشح في الإنتخابات الجاية، والدكتور البرادعي كان شاهد على الكلام ده؟ هنا قال السيسي بهدوء لحمدين: يا أستاذ حمدين البلد دلوقتي حوليها مخاطر من الكل الجهات حتى في الداخل ولازم يكون الرئيس من المؤسسة العسكرية لأنه عارف المخاطر الي في الخارج والداخل كويس جداً وهبكون حريص في التعامل معاها.. إنما لركو عليا أنا سعيد بموقعي ومش عايز أسيبه. هنا نظر إليه حمدين وكأنما كان يتوقع هذه الإجابة مسبقاً وقال: ما هو ده حال البلد والرئيس عدلي منصور الراجل الطيب بيديرها بسلام في وسط هذه المخاطر والمفروض إنك بتساعده أمنياً إيه المشكلة.. هو لازم إنت تكون رئيس عشان البلد تكون أمنة.. مهو ممكن تساعد الرئيس الجاي والبلد تمشي بسلام وإنت كئه كده ضامن مكانك 8 سنين؟ قال السيسي متهكماً: إنت عايز الرئيس القادم يبقى زي المستشار عدلي؟ فقال حمدين مبتسماً: نعم فرد السيسي بعد لحظات من التدبر: ترضاها على نفسك؟ فأجابه حمدين بعد تدبر: عدلي راجل محترم.. وشرف لي أن أكون مثله. هنا وقف السيسي وقال لحمدين: كده أنا مش هتصور خلاص.. إتصور إنت.. بس خد بالك لو أخليت باتفاقنا وحاولت تبقى غير الرئيس عدلي، أنا هاجي هنا في نفس المكان بعد سنة وهتصور لوحدي.. وطبعاً إنت هتكون إتصورت بالرقم وش وجنب. ثم إستأذن السيسي الحاضرون وانصرف بعد أن صافح حمدين مصافحة حارة وكأنما يلتقيان لأول مرة منذ أمدٍ بعيد. هنا خرج الشاب من البلاتوه وقال بصوتٍ مبتهج « إتفضل يا ريس حمدين.. مكتوبالك» ربما يكون هناك إستوديو بهذا الإسم في إحدى عمارات وسط البلد.. لكن بالقطع لن يكون هناك حوارٌ كهذا؛ لأن هذه الشخصيات وهمية وإن تصادفت الأسماء مع الواقع فلن يتصادف الخيال مع واقع أليم.