أول ما يدهشك ويمتع بصرك إخراج هذا الأثر إخراجًا بديعًا جعله تحفة فنية رائعة ابتداءً من غلافه الذي زين بمنظر طبيعي من أرض الجزيرة العربية، سماء زرقاء صافية إلا من سحب بيض عابرة لا غيث فيها، وصحراء جرداء توحي بقسوة الحياة وصعوبتها؛ ولكنها مع ذلك حفلت بأحداث عظيمة استحقت أن تدونها كتب التاريخ كتاريخ ابن بشر (عنوان المجد) وتاريخ الفاخري الذي كتبه محمد بن عمر بن حسن الفاخريّ (1277ه) وأتمه ابنه عبدالله. عني بهذه التحفة الفنية وأحسن إخراجها وقدّم لها الدكتور عبدالله بن محمد المنيف، وسطر على الغلاف وصفًا للكتاب فهو «نسخة خطّية محفوظة في مكتبة الملك سلمان بعمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود»، فإذا بدأت تقلب صفحات الكتاب وجدت على الصفحة اليسرى صورة المخطوطة واضحة نقية ملونة كأنك تقرأها في المخطوطة الأصلية، وفي الصفحة اليمنى ترى طباعة مطابقة لما كتب في الصفحة اليسرى على خلفية كورق المخطوطة، ولا فرق بين المطبوع والمخطوط إلا في مواضع تقتضي التدخل أشار إلى ذلك الدكتور عبدالله المنيف في مقدمته، قال «وقد راعيت في ذلك القراءة الصحيحة وفق هذه النسخة وإن كان هناك من خلاف ظاهر عدلته بأسلوب تعريض خط الكلمة [بنط] التي جرى تعديلها. كما سعيت قدر الاستطاعة إلى تصحيح ما لابد منه من حيث أعداد السنوات والخلاف بين العدد والمعدود والسنوات على وجه الخصوص». ولما يراه قارئ الكتاب من جمال إخراجه يجد نفسه مقبلًا على تصفحه، منقادًا إلى تتبعه وبخاصة أنه سلم من الإطالة والتفصيل والتعليق المعبر عن موقف المؤرخ، جاء في المقدمة «نهج الشيخان محمد وابنه عبدالله في كتابة تاريخهما منهجاً مختصراً على خلاف من سبقهم من مؤرخي نجد ابتداءً من ابن غنام فابن لعبون وابن بشر، وإن كان غالب معتمدهما هو تاريخ ابن بشر المشهور بعنوان المجد، فقد اتخذا من سنة بداية تاريخ ابن بشر، وهي السنة التي تأسست فيها مدينة الدرعية بدايةً لتاريخهما، وهي سنة 850ه». وأما نهاية هذا التاريخ فهي 1288ه. أحسن الدكتور بأن زود النشرة بجملة من الكشافات الفنية اعتمادًا على أرقام ورقات المخطوطة، فثم فهرس للآيات القرآنية الكريمة، وفهرس للشعر وفهرس للأعلام وفهرس للقبائل والأسر والأقوام والجماعات وفهرس الأمكنة وفهرس أسماء السنوات وفهرس الوقائع والمغازي وفهرس الألفاظ الحضارية وفهرس الطبيعة وفهرس الفوائد والغرائب. وهذه الكشافات تفصح عن تتبع دقيق فاحص لمضمون الكتاب، وهي كشافات بالغة الأهمية فهي مفاتيح لما في هذا الكتاب من ثروة جديرة بالدرس والبحث. وأحسب الكتاب أخرج كما أراده صاحباه؛ ولكن القارئ العادي غير الخبير بلهجات نجد يجد نفسه بحاجة إلى فهم ما يصادفه من ألفاظ غريبة، وكان يمكن تحقيق ذلك في الفهرس الملحق بالكتاب أو في حواشي الورقة المطبوعة إن كبر قطع الكتاب، ومن المناسب لو جعلت السنوات في الهامش الأيمن من الصفحة المطبوعة(1). ومهما يبلغ عمل الإنسان من الجمال والكمال ينله بعض القصور، ولا أعرف كتابًا سلم من هذا غير كتاب الله، لاحظت أن رسم التنوين جاء على طريقين فمرة على الألف كما في المقتبس من المقدمة الذي أوردته آنفًا، وقد يرسم على الحرف، وهذا هو الأولى عندي، وورد في (ص20) لفظ (العريناة) كما في المخطوط ولعل صوابه: العرينات(2). وورد(ص86) «وقاض بن صويط» ولعل صوابه: وقاظ ابن سويط(3). وورد في (ص146) «جلوا آل عريعر»، وهذه لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة مستمرة في لهجات الجزيرة، ولعل الصواب: جلا آل عريعر(4). كتاب جميل جدير بالقراءة، وتحيات وشكر لأخي الدكتور عبدالله بن محمد المنيف الذي تفضل علي بنسخة من الكتاب. ... ... ... (1) هكذا صنع الأستاذ عبدالله بن يوسف الشبل في تحقيقه لتاريخ الفاخري الذي أعيد نشره عام 1999م. (2) هكذا وردت مصححة بتحقيق الشبل، ص86. (3) هكذا وردت مصححة يتحقيق الشبل، ص122. (4) هكذا وردت مصححة يتحقيق الشبل، ص155.