وأنا أجمع مادة لقاء (1) المترجمة البريطانية كاتي ديربيشر شعرت بمتعة (2)، فقد أثراني حوارها الذي لمست فيه المسارات التي نلتقي بها نحن المترجمون ، والعمليات التي نعبرها ونحن ننقل النص من لغة إلى أخرى بحب ومتعة ، وتوقفت عند قولها وهي تصف علاقتها مع الكتاب الذين ترجمت لهم (أشعر أنني قريبة إلى حد كبير من كل الكتاب الذين أترجم لهم واعتقد أن ذلك بسبب أنني أحفر عميقا في أعمالهم)، نعم ،فعملية ترجمة النص الأصلي تجعلنا نحفر في أفكار وشخصية كاتبه، وأيضا في تفاصيل ثقافته ، ومعتقداته ، وأرضه ، فتتخلق علاقة حميمية بيننا وبين الكاتب ، فيصبح الكاتب أشبه بصديق حميم لنا، وهذا هو (البعد) الروحي والثقافي والإنساني بيننا وبين كاتب النص الأصلي ، تذكرت عندما كنت أترجم مادة كتابي عن كيت شوبان ، عرفت تاريخ مدينة سانت لويس حيث ولدت كيت شوبان ، وتتبعت قصتي اكتشاف المدينة و بيعها الى الولاياتالمتحدة ، غصت في معابدها وتأملت عبر الصور متاريسها الحجرية كما دخلت لوزيانا ولاية السكر ، عرفت ملامح سكان نيواورلينز المتعددي الأعراق والثقافات ، كنت استمع لموسيقاهم . تتبعت نشأة كيت شوبان منذ طفولتها ، وأعجبني فكر أبيها ذي الأصول الايرلندية ، وأحزنني رحيله ، وبحثت عن تاريخ مدرسة القلب المقدس التي التحقت بها كيت، وشاركتها الألم عندما مُنعت روايتها (الصحوة) ،كنت استشعر في سطور مراجعي عنها وجودها ، وأرى آفاق فكرها، واستمع لصوتها، ونبض قلبها الذي لف سردها ، واحفظ بعض عباراتها وقصائدها ، لذلك الترجمة علاقة تتخذ شكل صداقة انسانية فكرية ووجدانية حميمة ، تنشأ بين مترجم من أمة ولغة وثقافة مختلفة مع كاتب ينتمي إلى أمة ولغة وثقافة مختلفة أخرى ،تلك العلاقة هي التي تقرب الأمم من بعضها البعض ، وتزيل الحواجز الجغرافية ، وتنشر المحبة والتفاهم والسلام. ... ... ... (1) نُشر اللقاء في مجلة الجوبة، العدد 55. (2) مترجمة بريطانية ، تعيش في برلين ، ترجمت العديد من الروايات الالمانية المعاصرة إلى اللغة الانجليزية.