فاصلة: ((لا يعدم القبعات صاحب الرأس الجيد)) - حكمة صينية - لم يتوفر لي أن أشهد كيفية عمل غرف الأخبار في صحفنا، لكنني تعرفت على غرفة الأخبار في صحيفة الجارديان الشهيرة في لندن وشهدت آلية تطويرها، وفي أدبيات بحثي قرأت كثيراً عن صناعة الخبر تمهيداً لتحليله. وشدتني متابعة المسلسل الأمريكي الشهير (The newsroom) لأنه يعرض للجمهور ما لا يعرفونه عن الجانب الحياتي للصحافي صانع الخبر. المسلسل يحكي قصة المذيع الأمريكي «ويل ماكفوي» وصراعه مع فريق عمل جديد في برنامجه التلفزيوني الذي تغير بينما هو في إجازة، فكان عليه عند العودة التأقلم مع هذا الفريق الجديد إضافة إلى صراعه مع مالكي الشركة الذين يهتمون بارتفاع نسبة المشاهدات للبرنامج التلفزيوني أكثر من المحتوى. تمنيت أن يكون لدينا نسخة من البرنامج ليعرف المتلقي العربي ماذا يحدث في كواليس القنوات التلفزيونية والصحف قبل أن يُنشر الخبر. وكيف أن الخبر ليس هو الحقيقة، ولا يمكن للصحافي أن ينقل الحقيقة بحياد تام دون أن تتدخل العوامل الثقافية في صناعة الخبر، ومن دون أي اعتبارات أخرى لها علاقة بسياسات المؤسسة الصحفية، وفي المجتمعات غير الديموقراطية لها علاقة أيضاً بثقافة المجتمع. وهذا يطرح سؤالاً مهماً: هل يقدم الصحافيون الأخبار الحقيقية أم المثيرة التي يتهافت عليها الناس؟ وكيف تتم عملية الاختيار؟ على سبيل المثال عندما يطرح المسلسل أنهم تلقوا في محطتهم خبراً عن إحباط عملية إرهابية منفذها مسلم، فقامت المسؤولة عن البرنامج بطرح معلومة مثيرة بأن من بلغ الجهات الأمنية كان مسلماً أيضاً ولكن وسائل الإعلام تجاهلت هذه المعلومة. نعم هذا يحدث في أمريكا بلد الديموقراطية فكيف هو الحال في المجتمعات العربية مع ما تحمله من إرث القمع وعدم التعبير الحر. إن صناعة الخبر الصحفي ليست عملية سهلة وإن كان الصحافيون الآن لا يحصلون على تدريب كافٍ حتى يصنعوا الخبر، إذ إن معظم الأخبار تُنشر كما تصل الصحيفة من المؤسسات الحكومية بينما تهتم بعض الصحف لدينا بتقديم الخبر وفق أسس علمية وفنية. غرف الأخبار اليوم لم تعد تقليدية كما السابق، فالخبر في الماضي كان له فترة معينة ثم يموت بينما هو اليوم باق، وهنا التحدي في إبقائه حياً يتفاعل معه المتلقي، كما أن محركات البحث اليوم وفرت عوالم مختلفة للصحفي تتجاوز البحث عن المعلومة إلى ما ورائها، والأخطر أن مهمة جمع الأخبار لم تعد تقليدية عبر وكالات الأنباء مع ظهور منصات الإعلام الاجتماعي. وبدلاً من الركض خلف تصريح أصبح المسؤول يغرد عبر حسابه في تويتر مثلاً، وهناك عوامل أخرى تتعلق بالصحافة الإلكترونية. لقد أصبحت اليوم غرف الأخبار ذكية، فهل يستطيع الصحافي أن يطور مهاراته ليكون ذكياً؟!