كان لي شرف المشاركة ضمن جولة مركز الملك سلمان للشباب إلى أميركا هذا العام، وهي ضمن برامج المركز الرائدة التي تهدف إلى زيادة وعي الشباب ورفع مستوى المعرفة لديهم، من خلال الاطلاع على التجارب العالمية وتبادل الخبرات مع صناع القرار وأصحاب المراكز القيادية. في حقيقة الأمر، فوائد رائعة وخبرات مميزة لا تحصى اكتسبناها خلال هذه الجولة والجهات التي زرناها واجتمعنا معها، ولكن سأركز في هذا المقال على (المكتسبات) التي خرجت بها من زيارتنا للجهات الإعلامية تحديدا وهو محور اهتمامي. أول اسرار النجاح هو (التخصص)، بالفعل وكانت متمثلة في The Weather Channel وهي أولى الجهات الإعلامية التي زرناها في مدينة اتلانتا، فهي عبارة عن قناة اميركية شهيرة ومتخصصة في متابعة توقعات الطقس والأخبار وما يتعلق بها، وبالرغم من تخصصها في مجال واحد فقط إلا أن عدد المشتركين في ازدياد مضطرد حيث تجاوز 97 مليون اشتراك في خدمة التلفزيون المدفوع حسب آخر احصائية في فبراير 2015 ويعتبر هو الأعلى على مستوى الولاياتالمتحدة الأميركية. هذا التخصص فتح لهم المجال في التميز والتركيز على الهدف، فهي تقدم البرامج الوثائقية وكل ماله صلة بالطقس، من خلال آلاف الموظفين والمراسلين حول العالم، وتوفير هذا المحتوى عبر كل المنصات المتاحة من قنوات تلفزيونية وإذاعات مسموعة وصحافة مقروءة ومواقع ويب وشبكات اجتماعية. خلال الجولة مع فريق طاقمهم شاهدنا العديد من الجهات المشتركة بخدماتهم والتي تقدم ب 22 لغة وبأفكار مبتكرة، وكيف يقومون بتحليل البيانات واستخراج المعلومات بشكل يفيد الشركات الزراعية وشركات الملاحة وحتى شركات التجزئة والتأمين للتأكد من بعض القضايا المتعلقة بالطقس بالأضرار الناجمة عنها. وفي سؤال وجهته لمدير منصة البيانات الإلكترونية ايلي فيتيبليس عن نيتهم في التوسع في مجالات أخرى خصوصا أنهم يملكون استوديوهات ضخمة جدا ومراسلين في كل دول العالم واكبر عدد من الاشتراكات في أميركا؟ ذكر بحدّة أن نجاحنا محدد في هذا المجال، ونهدف بأن كل شخص في العالم يعتمد علينا في متابعة الطقس. ويأتي ثانيا استخدام مبدأ التجميع News Aggregator ليكون أهم عامل في نجاح المشاريع الإلكترونية الإعلامية، وفكرته من خلال تجميع المحتوى من عدة مصادر في موقع واحد ومكان واحد وفرزها حسب الأهمية ومصنفة حسب مجالات تلك المواد، مما يختصر وقت القارئ في متابعتها. وهذا المبدأ هو سر نجاح صحيفة هافينغتون بوست الشهيرة Huffington Post، فهي تعتمد على سياسة التجميع من خلال مقالات المدونين ومصادر المعلومات، فبالرغم من أن عدد موظفيها لا يصل ل 700 موظف إلا أنها تجاوزت جميع الصحف الإلكترونية على مستوى العالم. وتعتقد "أريانا" مؤسسة هذه الصحيفة أن اعادة تنظيم المعلومة هو أهم من صناعة المعلومة، لذا أوجدت نظاما لكسب وتجميع المحتوى من مصادر موثوقه ومن مدونين لهم مصداقية وتأثير، ومن ثم اعادة عرضه بأسلوب شيق مما أدى إلى نمو مطرد في حجم الزوار وبتسع لغات حتى الآن، واللغة العربية خلال أشهر. أما المبدأ الثالث هو العمل للمحتوى وليس للوسيلة، وهذا المبدأ هو الذي يجعل المؤسسة الإعلامية تستمر في ظل تغير الوسائل الإعلامية وتنوعها الهائل، وهذا ما أكده لنا القائمون على مجموعة قنوات NBC. فخلال جولتنا في صالات التحرير تبين لنا بالفعل أنهم يعملون في غرف أخبار متكاملة Integrated Newsroom لاصطياد الأخبار والمواد التحريرية من كافة المصادر الممكنة ثم تتحول لغرفة الأخبار متعددة الوسائط Multi-Media Newsroom لإعادة تخصيص المواد لكل وسيلة وجهة اخبارية. ونفس المبدأ أكد عليه نائب الرئيس لقناة CNN مايك مكارثي، حيث ذكر أنهم يبثون موادهم الإعلامية في جميع الوسائل الممكنة وبأسرع وقت ممكن وعبر كافة الشبكات الاجتماعية حتى لو لم يقتنعوا بالوسيلة وبجدواها، فهم لا يعملون من أجل القناة ولكن من أجل المحتوى. بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة لن يقتصر اعتماد المؤسسات الصحفية على مستقبل الورق ولا القنوات على توجهات الناس في متابعة التلفزيون ومثلها الإذاعة، فلا تحكمها الوسيلة، بل سيصبح المحتوى فقط هو من يحدد مصير المؤسسة الإعلامية. * مدير إدارة الإعلام الإلكتروني بجريدة الرياض