بدأت شبكة HBO الأمريكية عرض مسلسلها الدرامي الجديد (غرفة الأخبار-The Newsroom) وسط اهتمام إعلامي كبير كون المسلسل يغوص في كواليس صناعة الخبر في القنوات الأمريكية مقدماً رؤية ناقدة للإعلام ومدى تأثره بالمعلنين والشركات والقوى السياسية. وقد جاءت حلقته الأولى التي عرضت الأحد قبل الماضي 24 يونيو عند مستوى هذا الاهتمام وكانت خير افتتاحية لمسلسل درامي كبير يتوقع أن يثير تساؤلات عميقة حول الأداء الإعلامي للقنوات الإخبارية الأمريكية. هذا التوقع مبني على مقومات مميزة يرتكز عليها المسلسل؛ أولها أنه من إنتاج عملاقة التلفزيون الأمريكي شبكة HBO التي أحدثت ثورة في صناعة التلفزيون الأمريكي وأنتجت نخبة من أهم المسلسلات في العقدين الماضيين مثل "آل سوبرانو" و Six Feet Under وGame of Thrones, وثانيها أنه يضم طاقماً مميزاً بقيادة جيف دانيالز وإيميلي مورتماير وجين فوندا, أما ثالثها وأهمها فهو أن المسلسل من ابتكار السيناريست آرون سوركن الحائز على الأوسكار عام 2010 عن سيناريو فيلم "الشبكة الاجتماعية-The Social Network", وصاحب التجربة المهمة في التلفزيون الأمريكي حيث كان قد ابتكر المسلسل السياسي الشهير The West Wing, إلى جانب ابتكاره لمسلسلين آخرين يغوصان أيضاً في كواليس الإعلام هما Sports Night وStudio 60 on the Sunset Strip. ويأتي مسلسله الجديد "غرفة الأخبار" ليكون تتويجاً لهذه التجربة، كما أنه تتويج لكفاحه الشخصي مع هذا المسلسل منذ أن كان فكرة قبل ثلاث سنوات إلى أن وافقت HBO أخيراً على إنتاجه. في الحلقة الأولى من "غرفة الأخبار" يقدم آرون سوركن تعريفاً تأسيسياً لحكاية المسلسل، نتعرف من خلاله على شخصياته الرئيسية: المذيع ومنتج الأخبار ويل مكوفي الذي أدى دوره جيف دانيالز، المنتجة المنفذة الجديدة مكينزي ماكهال التي أدت دورها إيملي مورتماير، ومدير قسم الأخبار المخضرم شارلي سكينر، إلى جانب عدة شخصيات أخرى تعمل في محطة ACN الإخبارية. منذ البداية يخطف آرون سوركن اهتمام المشاهد بافتتاحية عاصفة ينفجر فيها المذيع مكوفي في ندوة كان هو أحد ضيوفها، ليعلن أمام الحضور أن أمريكا ليست عظيمة ولا حرة كما يعتقدون، وأن الفساد متغلغل فيها إلى حد يجعله يشتاق للأزمنة القديمة حين كان الإعلام الأمريكي نزيهاً صادقاً وإنسانياً. كان هذا رأياً صادماً من مذيع اشتهر بأنه مسالم ولا يغضب أحداً، لا السياسيين ولا رجال الأعمال، لذا وجد مكوفي صعوبة في تفسير انفجاره اللحظي وأرجعه لدواء الدوار الذي يستخدمه. من هذا المشهد يقدم السيناريست آرون سوركن تعريفاً لطبيعة المذيع ومعاناته، وسيلتقط هذه المعلومات الشخصية لينقلها للمشَاهد التالية، حيث سيكون على المذيع مواجهة مشكلات أخرى في مقر عمله في محطة ACN, ومنها أن طاقمه قد تخلى عنه وذهب ليعمل تحت إدارة مذيع آخر، وأن مديره سكينر قد عيّن له طاقماً جديداً بقيادة المنتجة الشابة مكينزي العائدة للتو من الخارج بعد رحلة عمل مضنية في العراق وأفغانستان والتي وجدت صعوبة في الحصول على الموافقة النهائية من المذيع الشهير لأسباب شخصية يكشفها السيناريو بذكاء مع تتابع اللقطات. في خضم هذه الصراعات الشخصية، والنفسية، يبدأ سوركن بالدخول في عالم الأخبار، موضوعه الرئيسي، مقدماً الكيفية التي يصنع بها الخبر داخل "غرفة الأخبار" والعوامل النفسية والإدارية التي يمكن أن تؤثر عليه خلال عملية إنتاجه، كما يعرض هواجس العاملين في القناة وتركيزهم المشتت بين رغبتهم في تقديم محتوى إخبارياً نزيهاً وبين رغبة رجال الأعمال والسياسيين الذين لا يريدون سماع ما هو مقلق من هذه القنوات. المسلسل من إطلالته الأولى يُنبئ بالكثير ويغري بالمتابعة خاصة مع الإشارات النقدية التي ينثرها هنا وهناك حول الإعلام وعلاقته بقوى الفساد المسيطرة على المجتمع الأمريكي. ويمكن من خلال هذه البداية معرفة الاتجاه الذي سيذهب إليه المسلسل في حلقاته المقبلة والذي حدده مدير الأخبار في القناة بوضوح حين عبر للمذيع مكوفي عن رغبته في المشاكسة وتقديم الأخبار بشجاعة دون خوف من أحد، لا المعلنين ولا الجمهور، يدفعهم في هذه المغامرة دافع واحد هو تقديم الحقيقة كما هي دون إضافات، وكل ذلك ضمن دراما مثيرة مشوقة ومليئة بالصراعات من كل نوع، صراعات مهنية، وصراعات شخصية عاطفية، يتحكم فيها كاتب سيناريو متمكن هو آرون سوركن. لقطات من المسلسل