ستبقى «عاصفة الحزم» مفصلاً في تاريخ العرب، فلقد جاءت بعد أن اجتاحت إيران عبر ذراعها في اليمن الحوثيين العاصمة صنعاء، وباتوا يحاولون ابتلاع العاصمة العربية الخامسة مدينة عدن، العنوان الأهم ونحن نستذكر انطلاق العملية العسكرية التي قادتها السعودية تكمن في حماية الأمن القومي العربي بعد أن استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لطلب الشرعية السياسية في اليمن التي لم تستطع مواجهة مليشيا الحوثي التي خرجت من كهوف صعدة لتسقط المدن في مشهد دراماتيكي حمل خطورة بالغة في تهديد غير مسبوق للأمن في أهم المعابر البحرية حول العالم. قبل العاصفة كانت المقاومة الجنوبية تكافح لصد العدوان الحوثي في عدن وتدافع على ما تبقى من الشرعية السياسية، في تلك الأثناء كان نجل المخلوع علي عبدالله صالح في الرياض وسمّعَ من وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان كلمات واضحة (عدن خط أحمر)، جملة واضحة تؤكد مضموناً عميقاً للأمن القومي العربي الذي قررت السعودية أن تتصدى لما يهدد هذا الأمن، خاصة وأن رياح ما يسمى الربيع العربي قد أضعفت كثيراً من القوى العربية، وحان للجيش السعودي أن يتحمل المهمة القومية وحماية «باب المندب» وضرب المشروع الإيراني في جزيرة العرب. حملت السعودية لواء المعركة وفي ترتيبات مفاجئة أعلنت الرياض بدء عملية «عاصفة الحزم» فجر 26 مارس 2015م، قادت الرياض تحالفاً عربياً واضعة أهدافاً استراتيجية تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية أولها تأمين مضيق باب المندب على اعتبار أنه جزء لا يتجزأ من الأمن العربي ولضمان سلامة الملاحة البحرية الدولية في المضيق، والثاني إيقاف التمدد الإيراني في المنطقة، والثالث إعادة المسار السياسي الذي أسقطه الحوثيون وشريكهم المخلوع صالح. حققت السعودية والإمارات في العمليات العسكرية الأولى نجاحات واسعة، فلقد تم السيطرة على الأجواء اليمنية خلال ساعات، وبدأت الطائرات عملياتها لإيقاف زحف المليشيات نحو العاصمة الجنوبية عدن التي كانت تشهد آنذاك ثاني أكبر موجة نزوح للسكان عرفتها بعد حرب صيف العام 1994م، وكان على التحالف العربي أن يؤمن الطرق الآمنة لآلاف النازحين الذين وصلت أعدادهم في حضرموت وحدها إلى أكثر من ربع مليون. بعد عامين من انطلاق «عاصفة الحزم» لا يمكننا تجاوز ما تتحمله السعودية من مسؤولية قومية، وهذه القدرة على تحمل الضغط الهائل سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو حتى اقتصادياً يحسب على البُنية التحتية لهذه البلاد المباركة، فالقيادة للأمتين العربية والإسلامية تعني أن تكون قادراً على السير برغم حجم التحديات، فالحرب ليست في جبهة اليمن وحدها، فهناك جبهات أخرى حاولت فيها إيران إثارة الفوضى عبر تصديرها للإرهاب سواء عبر دعمها المباشر أو غير المباشر للعناصر المتطرفة في تنظيمات «القاعدة» و»داعش» و»حزب الله» وهذا ما يضاعف من الضغط على الجانب الأمني، لذا وقفت الجهات الأمنية بحزم تجاه هذه التجاوزات بما فيها تهديد الأمن والاستقرار في مملكة البحرين. التحول التاريخي يمكن قراءته من خلال تبعات «عاصفة الحزم» فالسعودية التي لم تجد غير مواجهة المد الإيراني في اليمن والبحرين وجدت شركاء حقيقيين لها بداية من الموقف الإماراتي الذي وقف بصلابة مع هذا التحول السعودي في التعاطي مع التدخلات الإيرانية، كما أن موقف الحراك الجنوبي الذي انخرط بشكل مباشر في تأييد التحالف العربي وعمل التوازن الميداني على مسرح العمليات العسكرية في عدن ممهداً للمقاومة الجنوبية تشكيل الذراع العسكري على الأرض مما أسهم في التمهيد لتحرير عدن بعد أربعة أشهر من انطلاق «عاصفة الحزم». ضرورة «عاصفة الحزم» كعملية عسكرية كانت خياراً أخيراً أمام القيادة السعودية التي استنفذت كل الخيارات الأخرى لتجنيب المنطقة ويلات التدخلات الإيرانية التي أغرقت العراق وسوريا ولبنان واليمن في صراعات طائفية كانت المنطقة في منأى عنها لولا الرغبة الإيرانية في التوسع وبسط نفوذها على مضيق باب المندب فوجدت من سلمان العرب سيفاً بتاراً قطع أحلامها وبدد أوهامها.