أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية في هولندا تراجع الأوروبيين في تأييدهم لظاهرة «الشعبوية» التي تفشت في أكثر من بلد أوروبي، وقادت المملكة المتحدة«بريطانيا» إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي. ظاهرة الشعبوية التي اجتاحت أوروبا وأمريكا، وتأثرت بها دول عديدة بسبب تضافر عدة عوامل منها تزايد الهجرة وتنامي الإرهاب وتراجع اقتصاديات الدول الجاذبة للمهاجرين كانت تهدد بتنامي الكراهية وانعدام روح التسامح في مجتمعات عرفت بتسامحها وعدم رفضها للآخر، إلا أن وقوف أغلب البريطانيين في تأييد رغبة الشعبويين في الخروج من أوروبا، ومن ثم نجاح الرئيس الأمريكي ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية بسبب تأييد المواطنين الأمريكيين من الانجلوسكسونيين الذين تخوفوا من ازدياد نسبة المهاجرين، وهذا النجاح الذي كان غير متوقع عزز التخوفات من تنامي ظاهرة الشعبوية وازدياد فوبيا وكراهية الأجانب المهاجرين، والتي تركز في معظمها على الجاليات الإسلامية. وبما أن الانتخابات ونتائجها، وبالذات في الدول العريقة ديمقراطياً كالدول الأوروبية، تعد نتائجها مؤشراً حقيقياً لتوجهات مجتمعاتها، فقد كان المتابعون والمراقبون ينتظرون الانتخابات البرلمانية في أكبر بلدين أوروبيين وأكثرهم تأثيراً على مستقبل أوروبا واتحادها، ونعني بهما فرنسا وألمانيا، إلا أن هؤلاء المتابعين والمراقبين رصدوا أيضاً الانتخابات ونتائجها في الدول الأوروبية الأكثر صخباً وتنامياً للشعوبيين، وأقربها لألمانيا وفرنسا، إذ كانت هولندا مرآة تعكس ما يمكن أن يكون عليه الحال في فرنسا وألمانيا، خاصة وأن الزعيم الشعبوي المتطرف الكاره والمحارب للإسلام والمسلمين خيرت فيلدرز يقود الحملة الشعبوية في هولندا، وهو مشابه لنظيرته الفرنسية «بنت لوبن» وكان فوز حزبه «الحرية» بالانتخابات البرلمانية الهولندية لابد وأن يعزز جهود بنت لوبن الفرنسية، إلا أن نتائج الانتخابات جاءت مخيبة للشعبويين في هولندا كما في فرنسا التي ستشهد انتخابات مشابهة بعد شهرين تقريباً، ومع أن خيرت فيلدرز جاء في المرتبة الثانية حاصداً عشرين مقعداً في البرلمان الهولندي المكون من مئة وخمسين مقعداً وهو ما يمثل 13.1 بالمئة من نسبة مقاعد البرلمان، إلا أن النتائج جاءت أقل بكثير من استطلاعات الرأي التي أعطته 36 مقعداً، في حين حافظ رئيس الوزراء الحالي مارك روئي، رئيس حزب الليبراليين، على مركزه كأعلى الأحزاب في البرلمان ب33 مقعداً، رغم فقده لثمانية مقاعد، حيث كان في البرلمان السابق له41 مقعداً، ولكن مع هذا لا يزال هو صاحب الفرصة الأكثر قدرة على تشكيل الحكومة الهولندية القادمة، وأنه قادر على قطع الطريق على الشعبويين من أمثال خيرت فيلدرز من المشاركة في أي حكومة ائتلافية قادمة، رغم أن روئي فقد مقاعد الكثير من حلفائه، وخاصة حزب العمل، إلا أنه يمكنه الاعتماد على الأحزاب القريبة له أيدلوجياً كالديمقراطيين المسيحيين، وحزب 66 d مع بعض الأحزاب الصغيرة، إلا أنه في النهاية، وكما أعلن، لن يتعاون مع حزب الحرية حزب خيرت لأنه، وحسب قوله، يثير الانقسام داخل المجتمع الهولندي ولا يساعد على اندماج الجاليات المتواجدة في هولندا، والتي تساهم في تطور وتقدم هولندا كدأبها طوال تواجدها في هذا البلد المتسامح، رغم تفشي بضع شعبويين مثل خيرت فيلدرز.