كان ظهور وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير في بغداد مع أركان الحكم مفاجأة لافتة للاستفسار والتساؤل، ليس في الأوساط السياسية والإعلامية فحسب، بل الأنباء بفرحتها شملت كل أوساط وجغرافية العراق مؤكدة تجاوبها مع رسالة (التطمين) التي تميزت بها هذه الهدية السعودية المفاجئة للغائب الشقيق الذي طال انتظار عودته لبغداد السلام والعروبة؛ فكان المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية الجعفري، وبعد لقائه رئيس الوزراء العبادي. هذه الكلمات التي نقلها الجبير عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والقيادة السياسية تعبّر عن شوق وقلق شعب المملكة العربية السعودية على ما مر به شعب العراق بكل انتماءاته وأديانه ومذاهبه وجنوبه وشماله.. فالخطاب السياسي الذي نقله الجبير واضحًا بعناية وبدعم المملكة العربية السعودية ملكًا وحكومة وشعبًا بالعراق دون تمييز أو تصنيف في العلاقة الودية؛ فالكل سواسية بموضع الاهتمام والمحبة والأخوَّة. معارك تحرير الموصل للخلاص من وباء داعش الإرهابي تحمل معها تصارعًا لمشاريع إقليمية ودولية، أخطرها على استقلال ووحدة التراب العراقي تطويق وحصار منطقة تلعفر، التي يصنف وضعها الديموغرافي بين العرب والتركمان والأكراد، ومزقت يد التحريض الطائفي الإيراني وحدته وتشابك نسيجه الاجتماعي بالعمل على تسليط المليشيات المنفلتة في الحشد الشعبي من أجل الانتقام السياسي والطائفي. وتشكل السيطرة على منطقة تلعفر العقدة الوسطى للمشروع الطائفي الشيعي الممتد من طهران إلى جنوبلبنان مرورًا ببغداد ودمشق. وهذا الحلم التسلطي الفارسي سيتبدد ويتحول لسراب سياسي، إثر عودة الدولة العراقية إلى بيتها العربي، وتوازن سياستها الخارجية بالتعاون المتساوي مع جوارها العربي والإسلامي. وجاءت أولى رسائل هذه الزيارة المهمة مطمئنة لكل الشعب العراقي القلق على وحدة ترابه الوطني، وبددت الإشاعات المغرضة التي كان يروجها الإعلام الممول من النظام الإيراني، الذي لا يروق له أي تقارب عراقي سعودي، بل هدف خطابهم الإعلامي المتطابق مع استراتيجيتهم السياسية هو إبعاد شعب العراق عن محيطه العربي، والعمل باتجاه طائفي مفرق لكل شركاء الوطن في الدولة العراقية، والتسريع بتنفيذ خططهم نحو تشييع العراق وتهميش كل الشركاء الآخرين. ونسي أو تناسى عرافو هذا المشروع المتسلط وتصنيف كل الأشقاء من محبي أهل البيت وكل المسلمين معهم يقدّرون بكل الاحترام آل البيت - رضي الله عنهم أجمعين - أن الدمج المذهبي وإلحاق صفة الطائفة الشيعية في العراق يلغي ويجمد أفكارهم السياسية والوطنية، ويجعلهم أسرى الكتل والأحزاب الدينية المذهبية. وتشكّل هذه الزيارة المهمة البداية لعهد جديد سيعيشه العراق، تندحر فيه الطائفية ومروجوها، ويعود التيار العربي للظهور على المسرح السياسي لإنقاذ الوطن والدولة في عراقنا الشقيق من التشرذم والانقسام والضياع. وسيتم التواصل الرسمي وعلى أعلى المستويات في القريب العاجل، وتنتظر الرياض زيارة رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي على رأس وفد من المسؤولين الكبار للتشاور والتفاهم على المنهج الأمثل لإعادة إعمار العراق، وتثبيت مسيرة التصالح الوطني ووحدة الشعب من أجل تأسيس مؤسسات الدولة العراقية بكل الطاقات الوطنية دون تهميش وإقصاء وإبعاد.. ولا بد من سيادة شعار العراق لكل العراقيين، مع ضرورة استمرار هذا الدعم العربي الخليجي دبلوماسيًّا واقتصاديًّا، وتبادل الزيارات الرسمية بأعلى المستويات سعوديًّا وخليجيًّا للعمل على صياغة وتنفيذ الأسس الجديدة التي ترسم لإعادة تأهيل العراق لدوره العربي. ولا نستبعد أبدًا مشاركة الجمهورية العراقية في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية..!!!! ولا بد من جهد عربي موحَّد، تقوده قيادة المملكة العربية السعودية؛ من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية التي نساها العراقيون بعد أن تسلط الفاسدون على أموال الدولة، وسرقوا حتى قوت الشعب، وتركوه لقدره مهجرًا تائهًا منكسرًا في وطنه تحت ظروف نفسية وطبيعية قاسية، تحرقه حرارة شمس الصيف الملتهب، وبرد الصقيع والمطر في شتائه القاسي. وسترى الصناعة البترولية العراقية تنظيمًا وتكاملاً مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأعضاء في منظمة أوبك؛ ما يحقق سعرًا مقبولاً للجميع، وتجفيف خطوط سرقة وتهريب البترول العراقي إلى جواره الإقليمي، وتتحرك عجلة الصناعات البتروكيماوية التي يتحاج لها السوق العراقي لتحريك الدورة الصناعية المنتظرة. ولا يتم ذلك تحقيق الاستقرار الأمني والعودة إلى الوضع الطبيعي إلا بظهور المشروع الوطني المستقل بديلاً لهذه الفوضى السياسية والتحزب الطائفي، وبقيادة الرمز العربي الوطني الذي يلتف حوله الشعب من أجل وحدة الوطن وسلامة الدولة ورفاهية شعبنا العراقي الشقيق.