كشف الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- الخطوط الرئيسة للرؤية السياسية للولايات المتحدةالأمريكية في عهدها الجديد نحو قضايا المنطقة العربية، وتجلت خطة الرئيس لعلاج فوضى المنطقة في هذا الاتصال، كما لم تتجل من قبل في حملته الانتخابية أو حتى في القرارات العشرة التي اتخذها في الأسبوع الأول من رئاسته. ويمكن القول الآن إن العلاقة الإستراتيجية القوية بين المملكة وأمريكا قد عادت إلى سابق عهدها بعد هذه المكالمة بالغة الأهمية، والتي امتدت لأكثر من ساعة، وتناولت أبرز الملفات الساخنة الشائكة التي زادتها تعقيداً سياسة الرئيس السابق أوباما. وإن من المثير للعجب إن لم يكن الدهشة كيف تخاذلت السياسة الأمريكية في السنوات الثماني الماضية عن اتخاذ مواقف حاسمة تعيد الاستقرار إلى المنطقة العربية بالتعاون مع المملكة، وكيف فرطت المواقف الضعيفة الهشة السابقة في تمدد الجماعات الإرهابية وعلى رأسها التنظيم المجرم «داعش» بضعف أوباما وعجزه عن اتخاذ حلول جذرية بالتعاون مع الدول القوية بالغة التأثير في المنطقة العربية والإسلامية وعلى رأسها المملكة؛ فقد ترك التنظيم الإرهابي يسرح ويمرح ويحتل مدناً كبيرة في سوريا والعراق ثم ينقل مقاتليه إلى ليبيا ويبدأ في إشعال نار الحروب فيها مدعياً تمدد الخلافة المزعومة. لقد تجاهلت السياسة الأمريكية السابقة أن الإرهاب حين يشتعل في أي قطر عربي أو إسلامي لن ينحصر فيه؛ بل سيمتد شره ليطال أبعد مكان في العالم؛ وهو ما حدث بالفعل؛ فلم تسلم عواصم أوروبية عديدة ولا بعض المدن الأمريكية خلال السنوات التي تصاعد فيها مد الإرهاب في منطقتنا العربية من حوادث مؤلمة مؤسفة راح ضحتها أبرياء. ولنا أن نتساءل: كيف يمكن لمن يتابع خطوط تصاعد نمو العلاقة والشراكة بين الدولتين المؤثرتين في العالم أمريكا والسعودية من أن يدع فرصة لمن يعكر صفو العلاقة ويزيِّف الحقائق بواسطة الماكينة الإعلامية أو شراء الذمم وصناعة الأحداث الإجرامية التي يقوم بها عملاء لإيران أو أحزاب وجماعات طائفية مدعومة منها. لقد ترسخت العلاقة بين المملكة وأمريكا منذ ذلك اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الطراد «كوينسي» في البحيرات المرة بتاريخ 14 فبراير 1945م، وتنامت خلال العهود الرئاسية المتعاقبة إلى أن حدثت مأساة 11 سبتمبر 2001م التي دبرها تنظيم القاعدة بقيادة الرأس المدبر أسامة بن لادن وأقحم فيها خمسة عشر سعودياً من الفئة الضالة؛ لكي يعكر تلك العلاقة ويفسد ما بين الدولتين. وقد أوضح خادم الحرمين الشريفين -كما أوردت وكالات الأنباء- هذه الحقيقة المؤلمة لكل سعودي؛ بل لكل مسلم، وأن المملكة قيادة وشعباً ترفض رفضاً قاطعاً ما ارتكبه أولئك الجناة، وقد لاحقت المنتمين إلى تنظيم القاعدة وطاردت ذلك التنظيم الإرهابي إلى أن دحرته وأخرجت المنتمين إليه من جحورهم، وتتعاون مع دول العالم لاستئصاله من أي بقعة يوجد فيها. نستطيع اليوم بعد المحادثة المهمة بين القائدين الكبيرين أن نقول مطمئنين: إن الرئيس ترامب يعي ويدرك كل الإدراك دور المملكة في محاربة الإرهاب، كما أنه يعلم كل العلم الدور الإيراني في إشعال الفوضى في المنطقة، ولنا مع هذا الوعي الكبير من قائد أكبر دولة في العالم بأن نقول ونحن متفائلون بالمستقبل: إن الفوضى التي خلقتها سياسة أوباما بالتخاذل المقصود ستنتهي قريباً، وإن الدور الإيراني القذر في المنطقة حانت ساعة أجله، وإن أمريكا اليوم غير الأمس، وإن السعودية أمس واليوم وغداً هي صانعة المواقف العقلانية، وهي حاملة راية الخير والمحبة والسلام للعالم، وإن حبل الكذب الإيراني قصير وقد انكشف بانحسار الفترة الأوبامية الضعيفة المتخاذلة التي ضيعت هيبة أمريكا وخلقت الفوضى وسمحت للروس بالتربع على عرش سوريا.