منذ اللقاء التاريخي، الذي جمع الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبد الرحمن، يرحمه الله، والرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت، وذلك في البحيرات المرة بمصر، قبل أكثر من 70 عاماً، كانت علاقات المملكة بأمريكا، عدا عن حالات نادرة ومؤقتة، متميزة، رغم تغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وليس صحيحاً أنّ ذلك كان بسبب النفط فقط، فالمملكة كانت بالنسبة لأمريكا شريكاً اقتصادياً مهماً، كما كانت رمانة الميزان في السياسات الدولية، الرامية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، الملتهبة بالصراعات والأزمات، وقد تغير ذلك خلال فترة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، والذي انتهج سياسة ناعمة، تجاه المحرك الرئيس لمعظم صراعات المنطقة، أي إيران، وذلك على حساب حلفاء أمريكا التاريخيين في الخليج، وبالذات المملكة، وغني عن القول إنّ أوباما انجرف في سياسته المهادنة مع إيران، طمعاً في إنجاز الاتفاق النووي، لأنّ هذا الإنجاز كان الأمر الوحيد، الذي سيحقق له مجداً شخصياً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقد تسببت سياسات أوباما في منطقة الشرق الأوسط بازدياد التوتر، وتفجر الصراعات، وتوسع إيران في كل اتجاه، ونشوء، ومن ثم تمدد تنظيم داعش الإرهابي. كل ذلك تغير الآن، فبعد أقل من أسبوعين من تسنم الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترمب، منصبه، اتصل هاتفياً بخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وحسب ما نشر عن مضمون الاتصال، فإنّ كل شيء يشير إلى عودة العلاقات السعودية - الأمريكية إلى سابق عهدها، فقد ناقش الزعيمان معظم الملفات، والتي لعبت فيها المملكة دوراً رئيسياً على مدى زمن طويل، وأهمها ملف الإرهاب، الذي توسع كماً وكيفاً، خلال فترة الرئيس أوباما، وتدرك إدارة ترمب حجم الثقل، الذي تمثله المملكة في هذا الملف، فقد سبق أن أشادت الدوائر الأمنية الأمريكية بالدور الكبير، الذي تلعبه المملكة بهذا الملف، وكان أهم ما تناقش فيه الزعيمان هو إعادة تفعيل العمل المشترك لمواجهة الخطر الإيراني، الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط برمتها. أركان إدارة ترمب ومستشاريه الصقور، مثل وزير الدفاع، جيمس ماتس، والذي كان قائداً للقيادة الأمريكية الوسطى، المسؤولة عن العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ومستشار الأمن القومي، مايكل فلن، وكبير الإستراتيجيين، ستيف بانون، يدركون حجم خطر إيران، فكلهم، وحسب تصريحات سابقة لهم، تحدثوا عن هذا الخطر بكل وضوح، فوزير الدفاع، جيمس ماتس، يعتقد أن الاتفاق النووي لا يهدف إلى إنهاء هذا البرنامج، بل إلى تعطيله مؤقتاً، وهو يؤمن بأن إيران لن تتوقف عن السعي للحصول على السلاح النووي، وكانت رؤية ماتس هذه هي السبب الذي جعل الرئيس السابق أوباما يعزله من قيادة المنطقة الوسطى، ولم يكن اختيار الرئيس ترمب للجنرال ماتس ليتسنم وزارة الدفاع اعتباطياً، فترمب ردد رؤية ماتس، بخصوص الاتفاق النووي، خلال حملته الإنتخابية، والخلاصة هي أن إدارة ترمب والمملكة تتفقان على ذات الرؤية، أي الدور الإيراني في زعزعة أمن واستقرار الشرق الأوسط، وهذا مهم لكلا البلدين، اللذين دشنا رحلة عودة العلاقات السعودية - الأمريكية إلى سابق عهدها.