تحيط اليوم العديد من المشكلات ببعض الاسر السعودية وافرادها كالتفكك الاسري، العنف الاسري، غياب دور الوالدين التربوي الحقيقي في الاسرة، الصراعات الداخلية لأفراد الأسرة، الطلاق وتبعاته، تعدد الزواج لبعض الآباء وتخليهم عن مسؤوليتهم، التنافر بين الأبناء لعدم وضوح الادوار، تدني التحصيل الدراسي للأبناء، ترك الدراسة والانضمام لجماعات الرفاق، وجود السلوكيات المنحرفة والخاطئة لدى الأبناء, وضع الأبناء في إصلاحيات الأحداث، ضعف تحمل الأبناء للمسؤولية، حب أفراد الأسرة للمظاهر، رغبة الأبناء بالكماليات واقتنائها، تدني مفهوم الأبناء للعمل والكسب المادي، رغبة الأبناء بالانعزال والابتعاد عن الأهل، ضعف الحس الوطني للأبناء، تدني احترام وتقدير الأبناء للآباء والأمهات في الأسرة، ضعف وعي الأبناء بدورهم في الاسرة، انشغال الابناء باللهو والمتعة وخاصة في فترات الاجازات, التهور بقيادة المركبات، انتشار ظاهرة التفحيط بين المراهقين والشباب, تعاطي المخدرات الخ. كل هذه المشكلات وهناك بقية لا يتسع المجال لسردها، تتطلب حلولا عميقة, لا يمكن ان تتم على مستوى الاسرة كالارشاد، وضع البرامج التوعوية والتثقيفية لها، وانما يتطلب العمل على مستوى أعلى, لضمان سلامة الاسرة وتنميتها، حيث يستوجب دراسة للتكوين الأسري وإعادة بناء عناصره، وفق مفاهيم وأسس حديثة تتوافق مع متطلبات العصر وتتحقق من خلالها التنمية المستدامة للمجتمع وأفراده, وتنسجم مع رؤية المملكة المستقبلية. إن تلك المشكلات التي سردنا بعضا منها قد يمتد تأثيرها السلبي على كافة أفراد المجتمع, ولغرض تحقيق نموذج واضح المعالم والادوار للاسرة يكون منسجما مع متطلبات العصر ومع رؤية المملكة، فانه يستدعي الامر التفكير بمنظور مختلف, حيث ان الحلول والتي تنحصر في معالجة تلك المشكلات السابق ذكرها على مستوى الاسرة,كاستخدام التوجية والإرشاد وطرح الورش تثقيفية والتوعوية لافراد الاسرة، هذه المعالجات للأسف لن تحقق نتائج ملموسة ذات فاعلية على كافة المستويات، وأينما قد نجد تلك المشكلات تتفاقم وتتناثر كحبات الخرز، وقد تصل في بعض الاحيان إلى فقدان افراد الاسرة على ايدي الابناء ممن فقدوا إنسانيتهم. لهذا، فإن معالجة تلك المشكلات والتفاعلات على مستوى الأسرة، يستدعي حلولا جذرية تحمي أفراد الأسرة من اثار المشكلات التي تعترض تكوينها وهيكلها كنظام من خلال العمل على مستويين, يعملان بتكامل وتناغم مع مستوى الأسرة: الأول يتم على مستوى الدولة وهو الأعلى، والذي يتكفل باصدار الانظمة والقوانين واللوائح التي تحكم الاسرة السعودية وتتوافق مع متطلبات العصر والتوجهات الدولية, والمعاهدات والمنظمات لحماية الاسرة وافرادها، واصدار بنود واتفاقيات يوقع عليها الاباء والامهات تكفل لابنائهم تربية سليمة, واصدار نظام محاسبي لمسؤولية الوالدين في حال وجود التقصير والاهمال في تربية الابناء، واصدار الانظمة التي تحديد العلاقات بين افراد الاسرة ، ووضع ضوابط للتعدد في حدود الشرع, والزامية النفقة إلخ. هذا السقف الأعلى يشكل مظلة يتم من خلاله الاعداد للمستوى التالي لانطلاق نموذج قائم على استراتيجية تربوية واضحة المعالم للأسرة السعودية، وذلك يستند على خلفية علمية, يسهم في اعدادها علماء وباحثون سعوديون وأعضاء من مختلف القطاعات في الدولة كالداخلية، التخطيط, العدل، المالية، الصحة, التعليم، الجامعات, العمل والتنمية الاجتماعية، مصلحة الإحصاء إلخ. إن وجود استراتيجية وطنية للاسرة السعودية، مطلب ضروري لمواجهة كافة التحديات، ومقابلة متطلبات العصر ومن خلال هذه الاستراتيجية سوف نختصر الزمن، وسوف تتلاشى تلك المشكلات اعلاه، وسنجد بمشيئة الله ان ابنائنا تحولوا إلى اعضاء فاعلين في أسرهم، مما ييسر تحقيق رؤية السعودية (2030).